ISET

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث : مجال اهتمامات المركز ومشاغله البحثية يتجاوز الأشخاص والجهات، مركزا على شتى ألوان الثقافة العربية الإنسانية التي أنتجتها هذه البلاد وما جاورها؛ دون أن نغفل الثقافة الإنسانية العربية والعالمية منها عموما
 اتصل بنا من نحن بحوث مرويات النشاطات الرئيسة

بقلم عبد الودود ولد عبد الله:  


مدرس باحث، كلية الآداب، جامعة نوكشوط
 

عصر صاحب الديوان:

 

1-   تمهيد إشكالة الزمن الشعري

2-   عصر الشاعر

2-1 المشهد الفكري حتى نهاية القرن 12هـ / 18 م.

     2 – 2 أهم ملامح الحياة الفكرية خلال القرن 13هـ /19م

    2 – 3 أسئلة الثقافة والفكر:

   2-3 – 1 الخطاب الفقهي

   2-3 -2 الخطاب الصوفي

    2-3 -3 الخطاب الأدبي

3-   شاعر العصر

3 -1 شاعر الفتوة

3-2 شاعر الإصلاح

1-   إشكالية الزمن الشعري:

إن الحديث عن عصر الشاعر يطرح بقوة إشكالية العلاقة بين الشاعر والعصر،  وبصورة أعم: مدى ارتباط الشعر بالزمان.

فبالرغم من أهمية المنهج التاريخي وما يفتحه تطبيقه على الدراسات الأدبية من آفاق فإن الكثيرين مازالوا يشككون في جدوى تطبيق هذا المنهج على الشعر خاصة.

 ويشترك في هذا الموقف الرافض لتطبيق المنهج التاريخي على الشعر قطاع واسع من النقاد العرب المعاصرين من منطلقات مختلفة يتشبث بعضها بأوثق عرى التقليد؛ مثلما نجد عند مصطفى صادق الرافعي قائد الحملة النقدية الشعواء التي انتهت بمصادرة كتاب : "في الشعر الجاهلي " لطه حسين.

كما يستند هذا الرفض القوي للمنهج التاريخي إلى منطلقات معارضة للتقليد موغلة في الدعوة إلى تبني الحداثة،  ومن أهم القائلين بذلك: الشاعر الناقد أحمد على سعيد "آدونيس "،  حيث يجزم أن " الشعر هو أقل أنواع الفنون حاجة إلى الارتباط بالزمان أوالمكان؛ لأنه في غير حاجة إلى موارد محسوسة،  ولا علاقة لنموه وموته لنمو المدنيات وموتها[1]، و مع ذلك لم يتراجع المنهج التاريخي في دراسة الأدب؛ لأن هذه الأفكار الرافضة لتطبيقه تعتبر هي نفسها مادة للتحليل التاريخي.

وتطرح إشكالية الزمن الشعري في السياق الثقافي الموريتاني على مستوى آخر،فحتى لو سلمنا بأهمية المنهج التاريخي فإننا سنواجه إشكالية خاصة بالشعر الشنقيطي عبر عنها أحد النقاد بقضية القطيعة بين الشعر الشنقيطي ومحيطه الاحتماعي[2].

وهي قطيعة تمثلت في المستوى الأدبي، في "خلو أو ندرة حضور أثر المحيط لحياة منتجي هذا الأدب في نصوصهم وأشعارهم، في مقابل  حضور قوي لثقافتهم، فنحن لا نكاد نحس في مدونة الشعر الشنقيطي المراجع الاجتماعية لتجربة شعرائه؛ إذ أن السمة الغالبة على أدبية هذا الشعر وبلاغته أنهما تتكئان في مرجعيتيهما الأدبية على ثقافة الشاعر اللغوية الشعرية وثقافته الشرعية الإسلامية، وهي السمة الأدبية التي حكمت جماليات الصورة الشعرية  لشعراء بلاد شنقيط، وهيمنت عليها، وإن ظلت هناك استثناءات تؤكد القاعدة[3]

وقد لا يكون ابن الطلبه استثناء كليا من هذه القاعدة ولذا فعلاقة شعره بعصره يفترض أن لا تخلو من الالتباس.

2-   عصر الشاعر:

بالرغم من المحاذير السابقة فإننا سنجازف بافتراض دلالة تاريخية يمكن تلمسها باستقراء مضامين شعر ابن الطلبه باعتبارها تعبر عن جملة من القيم الثقافية والاجتماعية المرتبطة بقضايا القرن الثالث عشر الهجري{ 19م } وهمومه.

بل إننا سندرس ما إذا كان الشكل الفني الذي اختاره ابن الطلبه في ارتباطه العضوي مع المضمون يمثل اختيارا أدبيا لا يمكن استيفاء تعليله إلا باستعراض المشهد الفكري لهذا العصر.

2-1  المشهد الفكري حتى نهايه القرن 12هـ / 18م:

إذا كان القرن الحادي عشر الهجري {17م} قد اعتبر عهد تمكين لثقافة الحواضر بمقوماتها الفكرية القائمة على الفقه بوصفه الخطاب المؤسس للشرعية، في محاولة لإحياء نموذج مدينة الفقهاء الفاضلة كما مثلته تينبكتو ذات يوم، مع الإصرار على مقارعة التيارت المعارضة لهذا النموذج، فإن القرن الثاني عشر{ 18م} قد انتهى إلى الانفتاح على الكثير من التيارات والمرجعيات، وقد انتعشت علوم القرآن والحديث لهذا العهد وتبلوت فعاليتها المعرفية بفضل تطور الدرس الأصولي وتحول التصوف من المراوحة بين الخلوة والثورة -  حسب النموذج الجزولي - إلى مؤسسة تعتمد النموذج الطرقي وتتبنى الخطاب التوفيقي الذي سبق أن هذبه الإمام زروق؛ وبذلك شهد القرن فترة هدوء طويلة انتهت بظهور دعوة المجيدري {ت1204هـ /1788م } ومعارضته لمباحث علم الكلا م الأشعري.

أ‌-      التصوف وعلم الكلام:

وكان علم الكلام لهذا العهد قد نضج وأصبحت مباحثه معتمدة في الدرس المحظري ومفروضة على العامة بحيث يعتبر جاهل الحد الأدنى منها كافرا، غير أن دعوة المجيدري ستؤدي إلى انقلاب الأمور رأسا على عقب حيث تحول علم الكلام ومعه فقه الفروع من متهِم [بكسر الهاء ] إلى متهَم [بفتحها ].

وقد تطلبت هذه الهزة الفكرية إعادة ترتيب العلاقة في إطار الاتجاه التوفيقي، وكان الشيخ سيدي المختار الكنتي زعيم التوجيه الجديد الداعي إلى التعايش كل المشارب دون الغلو في أي منها، مع التركيز على الجوانب المؤسسية في بناء الطريقة الصوفية وتحويلها إلى ما يشبه الإمارة المضادة.

ب‌-  الأدب:

 وفي هذا الجو من الحيوية الفكرية تعمق الدرس اللغوي ومباحث البلاغة والبيان، وأصبح للشعر سوق نافقة بفعل عوامل منها: تطور حركة الحج وما صاحبها من اطلاع على التيارات الفكرية في البلاد العربية لاسيما المغرب الأقصى.

كما ترتبط هذه الطفرة بمستوى التراكم المعرفي لدى فئة الزوايا وما انجر عن ذلك من صراع تراتبي بين أجنحة هذه الفئة؛ حيث أصبح الشعر عنوان الفروسية والفتوة العلمية والأداة القتالية الحاسمة في "حرب الزوايا " القائمة على الجدال والمناظرة، وبذلك اكتسب هذا الفن شرعية لم تكن له من قبل.

وساهم ظهور الإمارات المغفرية في هذا القرن في ازدهار هذه الحركة؛ حيث كان الأمراء يصطحبون الشعراء ويستمدحونهم، فظهر ما يمكن تسميته بأدب البلاط وفنونه.

ولا يقتصر الأمر على الأدب الفصيح، بل يشمل  كذلك الأدب اللهجي بأشعاره المعدة للغناء وفنه الموسيقي الذي هو مجال فسيح لإنشاء الفصيح والزجل وإنشادهما معا.

وأصبحت المسامرات تزين مثل هذه المجالس بما تتطلبه من حديث عن أيام العرب وأشعارها وتاريخ القبائل وأنسابها.

واللافت للانتباه في هذا السياق هو أن ازدهار الشعر الحساني قد تزامن مع ازدهار الشعر الفصيح كما تعاصر رواج هذين الفنين؛ ولعل الدراسة المقارنة تظهر أن هذين الفنين كانا يستقيان بعضهما من معين بعض: في الوزن والإيقاع وفي الصياغة البيانية والبلاغة.

2  - 2 أهم ملامح الحياة الثقافية خلال القرن 13هـ / 19م:

من نافلة القول: التذكير بأن هذه القطيعة بين القرن 13هـ/ 19م، وسابقه الثاني عشر {18م} إنما هي عملية إجرائية، أما في واقع الحياة الفكرية فإن هذا الحاجز الزمني لا ينطوي على دلالة خاصة، فأعظم العلماء الذين اضطلعوا بأبرز الأدوار في أهم معركة فكرية شهدها القرن الثاني عشر وقادها محمد المجيدري {1204هـ} ممثلا لمنزع العودة إلى الكتاب والسنة والتعمق الصوفي، والمختار بن بونا {1220هـ} زعيم المدرسة الكلامية والنحوية، والشيخ المختار بن أحمد بن أبي بكر الكنتي {1226هـ} ممثلا للاتجاه الصوفي الطرقي التوفيقي، قد امتدت بهم الحياة إلى ما بعد سنة 1200 هـ، بل إن الكثير من من كان لهم في هذه المواجهة عطاء مشهود - مناصرة لهذا الطرف أو ذاك - قد عاشوا إلى قريب من منتصف القرن 13هـ.

فلم تختلف الدعوة إلى التعمق الصوفي ونبذ علم الكلام وفقه الفروع بوفاة محمد المجيدري، بل تابعها حواريوه المخلصون من أمثال: البخاري بن الفلالي وابنه محمد عبد الله بن البخاري صاحب كتاب "العمران " المخصص في جوانب كثيرة منه للإشادة بثبات أغلب أتباع المجيدري على مذهبهم بعد وفاة شيخهم رغم ما تعرضوا له من ضغوط فكرية واجتماعية ربما أدت إلى بعض التراجع أو "التقية " لدى بعض المريدين[4].

كما استمر شاعر هذا الاتجاه ورائد الشعر المذهبي في بلاد شنقيط: أحمد المامون بن محمد الصوفي في دفاعه عن مذهب شيخه لا يلين[5].

وفي الاتجاه المقابل تواصل نمو مدرسة علم الكلام الأشعري بعد وفاة المختار بن بونا، وأصبحت لها السيطرة في أغلب المدارس؛ حيث أصبح مؤلفه الكلامي الأساسي: وسيلة السعادة مقررا مدرسيا واسع التداول، وساعد رسوخ مكانة ابن بونا: ريادته في مجال الدراسات النحوية بدون منازع بفضل كتابه: الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة [6] المعروف بالاحمرار،  الذي لم تخل منه مدرسة ذات صيت خلال القرن 13هـ.

أما الشيخ المختار الكنتي الذي اشتهر بمعارضته لابن بونا والمجيدري إلى حد رميهما بالخروج عن الملة في بعض ما أثر عن كل منهما، فقد استمرت مدرسته الصوفية بعد وفاته {1226هـ} واشتد عودها خلال القرن الثالث عشر على يد نجله: محمد الخليفة، كما انتشرت الزاويا المتفرعة عن الزاوية الأم في أغلب مناطق البلاد وخارجها، و كان من أغلب ناشري طريقته: الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبة {ت 1284هـ} كما لم تتوقف معارضة هذه الاتجاهات بموت رواداها، بل نجد خلال القرن 13 هـ ردا على مدرسة المجيدري في مسألة حشر الأجساد بقلم محنض بابه بن اعبيد الديماني[7]، كما ظلت مسألة تكفير القطع بما أخبر به الولي محل نظر، حيث ألف أحمد الصغير التيشيتي {2127 هـ} في الرد على المختار بن بونا في هذه النقطة التي سبق أن أسالت كثيرا من الحبر[8]. و كان عبد الله بن سيدي محمود الحاجي من أكبر المتصدين للزاوية الكنتية خلال القرن 13 بقلمه وبسيفه؛ حيث تطور الأمر إلى حد الحرب بين الزعامتين الدينيتين[9].

2 -3 أسئلة الثقافة والفكر خلال القرن 13هـ / 19م:

غير أن هذا القرن الـ13 لم يكن مجرد ترديد لصدى القضايا الفكرية التي شهدها القرن 12 بين مؤيد و معارض، بل تزايد الاهتمام خلاله بقضايا لم تكن تحتل الصدارة في القرن السابق، وظهرت قضايا فكرية جديدة نالت الحظوة لدى نخبة القرن 13هـ.

-         فما هي هذه القضيا الجديدة ؟

-         وما علاقتها بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والتطورات السياسية التي عرفها القرن 13هـ / 19م في بلاد شنقيط؟

وكجواب على السؤال الأخير نلاحظ أن المشهد السياسي الاجتماعي العام ما زال على حاله منذ القرن الثاني عشر: إمارات متناحرة ومشيخات قبلية  متمردة ومجموعات من القبائل الزاوية التي تحظى بمنزلة خاصة نظرا لمكانتها الدينية الناجمة عن احتكارها للمعارف العلمية، وثروتها الاقتصادية الناتجة عن اختصاصها بممارسة التجارة وامتلاكها الأراضي الزراعية ومجاني الصمغ و مشاركتها في التنمية الحيوانية.

وفي أسفل هذا السلم مجموعات تابعة تحترف الرعي أوالصناعة التقليدية أوالزراعة وجني الصمغ لصالح الملاك العقاريين، فضلا عن الأرقاء الذين تنامى عددهم لهذا  العهد نتيجة حظر حركة النخاسة عبر البحار، مع استمرار المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تنامت وترسخت بعد أن وظفها الأوروبيون منذ قرون في مطاردة وجلب البضاعة، ثم توقفوا فجأة عن الشراء مما أدى إلى تزايد المعروض في أسواق الرقيق الإفريقية التي أصبحت المستهلك الوحيد تقريبا بعد أن كانت مستهلكا ثانويا، مع ما يترتب على ذلك من أزمات تؤدي إلى الحروب المفضية إلى مزيد من الاسترقاق: (حروب "الساموري توري" والحاج عمر الفوتي " وغيرهما).

وبالإضافة إلى تزايد الأهمية العددية لقاعدة الهرم الاجتماعي خلال القرن الثالث عشر   الهجري، نلاحظ نوعا من ردم الهوة بين الفئتين المشكلتين لقمة هذا الهرم وذلك لصالح فئة الزوايا المهيمنة على التجارة التي أصبحت لها أهمية كبيرة نتيجة لتنامي المراكز التجارية الأوروبية لاسيما " سان لويس " على الحدود الشنقيطية السينغالية جنوبا، ومركزي اكليميم والصويرة شمالا.

ومن أهم مظاهر هذا التحول: نشأة الطرق الصوفية وبروز مشيخات دينية لها من النفوذ السياسي ما يضاهي وقد يفوق نفوذ الإمارات المتغلبة (مثال:الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبة و حضرته في الترارزة) وقد تتحول بعض هذه " الحضرات " إلى تشكيلات سياسية تجهز الجيوش وتنغمس في شؤون الحرب والسلم مثل: زاوية سيدي محمود الحاجي التي تحولت في عهد ابنه عبد الله - المنوه به أعلاه - إلى ما يشبه الإمارة، وكذلك الزاوية الكنتية بقيادة: أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الخليفة وغيرهما.

-         فهل كان لتحسن مكانة فئة الزوايا المنتجة للثقافة تأثير على المنتوج الثقافي؟

-   وهل لتنامي الدعوة إلى نصب الإمام وإقامة الدولة الإسلامية وتنفيذ الحدود وتجاوز وضعية "السيبة" كما ظهر في القرن الثاني عشر (الشيخ محمد المامي و ابن انبوجة وابن الطلبة نفسه) علاقة بمطامح جديدة لفئة الزوايا بهدف إزاحة المغلبين عسكريا الذين لا يستحقون في نظر الأرستوقراطية الدينية أن يحتلوا مكان الصدارة؟

-   وهل تغير إنشاء الحاضرة الدينية بطقوسها ومراسيمها ابتعادا عن الدنيا وشجون السياسة، أم هو تأسيس لحكم مضاد؟ أم إن هذه " الحواضر "  شكلت إطارا لمشاركة الهيئة الدينية في الحكم إلى جانب المتغلب القائم؛ بأخذ قسط من مغانم الحكم دون تحمل تبعاته الدينية والأخروية؟

2-3-1 أسئلة الخطاب الفقهي:

هل أثرت هذه الوضعية على الخطاب الفقهي السائد في القرن الثالث عشر؟

وما علاقة هذا السياق الزمني والمكاني الخاص بظهور محاولات التنظير لفقه البادية في محاولة جريئة لمراجعة القواعد التي يبنى عليها الفقه المالكي باعتبارها من وضع علماء حضريين لم يتسن لهم إدراك هموم أهل البادية وتصور طبيعة المشاكل المطروحة عليهم، أحرى استنباط الحلول الشرعية الملائمة لمعالجتها؟

أم أن هذا التوجه الرامي إلى إخضاع النص لمتطلبات الواقع إنما يعبر عن مسعى فقهي كلامي لتجاوز أطروحات المدرسة السلفية الداعية إلى إخضاع الواقع لأحكام النص؟.

2-3-2 أسئلة الخطاب الصوفي:

أما الخطاب الصوفي فالملاحظ أنه انتشر في هذا القرن انتشارا أفقيا واسعا وكثرت المؤسسات الصوفية التي سميناها "حضرات " وأقبل الناس على شيوخ التصوف لهذا العهد بعد أن أصبحوا ملاذ الخائفين ومحط آمال الطامعين في خيري الدنيا ولآخرة.

ومع ذلك فإن عنفوان الخطاب الصوفي لهذا العهد يبدو محدودا وخافتا نسبيا بالمقارنة مع الدور المحوري الذي كان له خلال القرنين الماضيين.

فلم يعرف تصوف هذا القرن حركات تلهب حماس المؤيدين وتذكي حنق المعارضين، كما شهد القرن الحادي عشر مع ناصر الدين ومحمد المجذوب، ولا دعوات في مثل جذرية أطروحات محمد المجيدري. وباستثناء الطريقة التجانية وربما بعض فروع الطريقة الغظفية، لم تثر الطرق الصوفية التي انتشرت في القرن الثالث عشر كبير جدل، وبذلك لم يعد الخطاب الصوفي بؤرة أساسية من بؤر الحركة الفكرية لهذا القرن.

-         فهل هناك تأثير عكسي بين قوة الخطاب الصوفي ومدى انتشاره؟

-   أم إن المؤسسة الصوفية {الحضرة} القائمة على نشر الخطاب - بما بقوم به من مصادرة الجوانب من الخطاب الصوفي بهدف ضمان ملائمته للتوجه العام - قد أزاحت عناصر القوة في هذا الخطاب مما أضعف جذوته؟

2-3-3 أسئلة الخطاب الأدبي:

يذهب الختصمون في هذا المضمار إلى أن الخطاب الأدبي لا سيما الشعري منه قد أصبحت له في القرن 13هـ مكانة فذة، ذلك أن الحياة الثقافية الشيقيطية في هذا القرن قد اتسمت باكتساب الشعر شرعية كاملة، وامتلاكه مكانة مرموقة في السلم المعرفي. فإذا كان الشعر الشيقيطي قد بدأ يخرج من طوق الرقابة الفقهية خلال القرن 12هـ، فإنه قد أصبح في القرن الموالي ميزة العصر وآية الفتوة، والسلاح الحاسم في الصراعات الفكرية.

ولا شك أن هذا التطور مرتبط إلى حد كبير بالتراكم المعرفي الطبيعي والدور الخاص لبعض المدارس التي أعطى بعضها الدرس اللغوي والبلاغي مكانة خاصة (مثل: مدرسة ابن بونا) واهتم البعض خصوصا بأنساب العرب وأيامهم: (مدرسة أحمد البدوي المجلسي).

ومع ذلك فمن المهم أن ندرس مدى علاقة ذلك بما آل إليه أمر قبائل الزوايا خلال القرن موضوع الدراسة من استقلال عن السلطة الحسانية واستئثار شبه كامل بالثروة الاقتصادية،  واستعلاء فكري منجر عن النهضة الفكرية والرخاء الاقتصادي النسبي؛ مما أعطى الأدب جمهورا عريضا من المتذوقين.

كما ظهرت فيما بين أعلام هذه النخبة صراعات؛ بعضها ذو طابع علمي أوعقدي، ومنها ما هو ذو طابع سياسي أواجتماعي  يعكس صراع التراتب  فيما بين زعامات هذه المجموعة للاستئثار بموقع الصدارة.

وقد كان الخطاب الشعري هو لأنسب للتعبير عن هذه المواجهات التي كانت تنتهي إلى نوع من المبارزات الشعرية المعروفة بالنقائض؛ حيث يحتكم الطرفان إلى الجمهور لفرز البطل المنتصر، ومن مظاهر ذلك: شعر الحرب المرتبط بالحروب التي نشبت بين بعض القبائل الزاوية، وكان شعراء القبائل يشاركون فيها بأقلامهم منتصرين لقبائلهم مشيدين ببسالة أبطالها، وشامتين بأعدائها في نوع من الاندفاع الحماسي الذي تعززه المشاركة الفعلية في ميادين القتال، حيث سقط بعض هؤلاء الشعراء قتلى، وجرح آخرون مما قد يعتبر ظاهرة فريدة في العالم العربي في هذا القرن الثالث عشر[10].

وإذا كان الشعر العربي الفصيح قد اشتد ساعده وبدأ يتخلص من رقابة الفقهاء خلال القرن 12هـ، فإنه في القرن 13هـ قد اتجه إلى احتذاء النموذج الجاهلي البدوي؛ وقد تتبع الناقدون مظاهر هذا الاحتذاء مثل: احترام بنية القصيدة الجاهلية بإعادة الاعتبار إلى جميع عناصر المقدمة مع جزالة الألفاظ وقوة التركيب[11].

وبما أننا غير معنيين في هذا المقام بدراسة البعد الفني للظاهرة الشعرية في بلاد شيقيط خلال القرن 13هـ / 19م، فإننا سنركز بالأساس على دراسة الوظيفة الاجتماعية لهذا الخطاب:

-         هل يعبر هذا الاتجاه عن محاولة لخلق نموذج أدبي للفتوة؟ يضاهي و ينافس النموذج الحساني القائم على الفروسية واقتحام الحروب؟

-   وهل أصبح الشعر هو شارة الفتوة عند قبائل الزوايا في مقابل الفروسية التي كانت تعتبر رمز الفتوة عند قبائل حسان؟

-   وهل يستدعي النموذج العربي القديم (البدوي) محاولة لتجاوز النموذج العربي القائم (الحساني)؟ بعد أن أصبحت العروبة تعني نوعا من السيادة، والصنهاجية تعني نوعا من التبعية؟

-         وكيف أجاب الشاعر عن أسئلة هذا القرن الثالث عشر الهجري الذي يمكن أن نعتبره عصر ابن الطلبة؟ وإلى أي حد بالمقابل يمكن اعتبار بن الطلبة شاعر عصره؟

 

3- شاعر العصر:

تطرح علاقة ابن الطلبة بعصره إشكالية العلاقة بالمرجع الاجتماعي في الأدب الشنقيطي؛ حيث يكون الحوار عموديا بين الشاعر ومرجعه الثقافي، وتنتفي أوتقل الحاجة إلى الحوار الأفقي بالنسبة للبدوي الذي يتحرك "في فضاء مفتوح تنتقل فيه الجماعات في غير استقرار، وقد يقضي الواحد وقتا من يومه دون أن يجد من يكلمه[12] " مما يؤدي إلى التركيز على المخزون التراثي الشعري واللغوي والثقافي للشاعر في التعبير عن المعاني وبناء صورها وهو الارتباط الذي تنشأ عنه هذه العلاقة الحميمية،  بين الشاعر والذاكرة[13] " في مقابل القطيعة مع البيئة الاجتماعية والظرف التاريخي.

وقد ظل هذا التوجه الأدبي المعروف عند النقاد بأدبية القطيعة مع المرجع مهيمنا في القرن الثالث عشر، وبقي الاتجاه المعارض لهذا التوجه هامشيا " لم يعد شاعرين من شعراء المدونة " التي درسها المرحوم أحمد ولد الحسن (جمال) في دراسته عن الشعر الشنقيطي[14]،

وقد اعتبر ابن الطلبة بمثابة التعبير الأوفى عن هذا التوجه الأدبي المهيمن، ولعل ذلك ما لخصته عبارة محمذن فال بن متالي الشهيرة " هذا عربي أخره الله "

        غير أن هذه الصورة الاختزالية لا تعبر إلا عن جانب من المشهد، فبالرغم من التزام ابن الطلبة في أغلب نصوصه باختيار جمالي واضح المعالم يتوخى إقامة المنهد من عمود الشعر العربي وإحياء القصيدة الجاهلية بقوالبها ومضامينها المتعارف عليها، فإن ذلك لم يكن يعني انقطاعه عن هموم مجتمعه وقضايا عصره.

بل إن أبعد نصوص الديوان إيغالا في احتذاء النموذج الجاهلي قد يتكشف عن وثيقة فريدة في التاريخ الاقتصادي مثل: حركة الموانئ[15]، وتنمية الواحات[16]، وحالة الآبار[17]، أوالتاريخ السياسي[18] فضلا عن مشاهد من الحياة الاجتماعية والثقافية (الحل والترحال[19]، إصلاح ذات البين[20]، نظام التعليم[21]، مرح الشباب[22]...الخ).

بل إن هذه المسافة النسبية مع واقع العصر، وهذا التماهي مع المثل الأعلى الجاهلي إلى حد تقليد نمط المعاش فضلا عن نمط التعبير، إنما يستجيب كل ذلك إلى متطلبات اجتماعية وتاريخية وثيقة الصلة بهموم القرن الثالث عشر الهجري، وأشكال الصراع والتوافق بين الفئات الاجتماعية المهيمنة لهذا العهد.

ومن أمثلة ذلك "نموذج العروبة " الذي قدمه "الزوايا " بما يعنيه بامتلاك لناصية اللغة العربية (مدرسة ابن بونا) وإحياء لعلم أنساب العرب (مدرسة البدوي المجلس) وتشبث بقيم الفتوة المورثة عن العهد الجاهلي[23]؛ إذ لا يمكن استكمال دراسة الدلالة الفعلية لهذا النموذج دون مقارنة بنموذج " العروبة " الذي يقدمه" حسان " (الفروسية العسكرية، قيم الشجاعة والحظ، والافتخار بالنسب...الخ) فهذه العروبة المضادة إنما تؤسس لنوع من الزعامة المضادة أوالموازية للزعامة الحسانية عن طريق تحصين رأس المال الرمزي الخاص بالزوايا، وتقديم بعض نماذجه في صيغ وأشكال تعبيرية خلابة، حتى ولو كان بعضها يستعصي على فهم العامة، فليس المطلوب أن يفهم الجمهور دقائق تعبير شاعر الزوايا، أوسر فتك الفارس الحساني بأعدائه، بل يكفي أن توقظ القصيدة أوالفتكة كوامن التوق إلى المثل الأعلى العربي المشترك (موهبة امرئ القيس أوإقدام عنترة).

وفي هذا السياق ينبغي أن يفهم نموذج الفتوة الذي يقدمه ابن الطلبة.

3-1- شاعر الفتوة:

ليس الشعر على أهميته في تشكيل شخصية ابن الطلبة إلا عنصرا يتألف من مآثر أخرى لصياغة نموذج خاص للفتوة يتوخى الجمع بين قيم الفروسية الحسانية (الشجاعة، السخاء، الاندفاع) وشيم الزوايا (العلم، الحلم، الرصانة)  بين قطبي الشباب والشيخوخة، بين نداء الرغبة ووازع الدين والأخلاق.

فهو لايقتصر على احتذاء نموذج القصيدة الجاهلية، بل يريد إحياء نمط الحياة العربي القديم، ولذلك كان " يبري النبال فيصطاد بها الوحش لشغفه باقتفاء العرب"[24].

ثم إنه في انطلاقاته المرحة لا يعبأ من الدنيا إلا بجمال المرأة والطبيعة ومعاقرة " طابة " مع الخلان:

                                                                 {بسيط }

لـــولا أمـيـمـة و الــمـاء الـنـمير ومــا
من طابة طاب أذ يجري الندى الوهن

لــمـا تـبـعـت حــدوجـا بـالـمـطي ولا
بـالـيت مــا جــر مــن أحـداثه ا
لزمن [25] 

غير أن اللهو بين الرفاق لا ينافي تعاطيهم المسائل العلمية في جو من التعلم المرح:  

                                                             {خفيف }

و صحاب مثل المصابيح في الدج
يـــة  نـازعـتهم سـهـاد الـلـيالي

بــنـشـيـد ومـــزهــر وعـــويــص
مـن عـلوم الـهدى عـزيز الـمنال

فــتـيـة فــتـيـة بـهـالـيـل شــــم
هـمـهم بـارتـقاء ش
ــم المعالي [26]

ويسهب ابن الطلبة في وصف أسفاره مع رفاقه وما يلاقونه من المخاطر ويفتخر بدوره في إنقاذهم من أهوال الصحراء

وليس هذا التوجه عند ابن الطلبة فتوة فردية أوصعلكة محصورة في عصابة ضيقة، بل هي فتوة تقدم إلى الجماعة نموذجا ينبغي أن ترتقي إليه حتى لا تضيع من أحسابها ما حفظته الأجيال السابقة.

ولا يقوم هذا النموذج في الفتوة على المغامرة الفردية المنبئة عن القوة العضلية أوالجرأة، بل هو أقرب إلى نموذج الفتوة العلمية في إطار صراع التراتبي بين المجموعات النابهة من "الزوايا " أوالنابهين من المجموعة، مثلما في قوله:[27]

                                                                         {طويل}

كــأنـي لـــم أركـــب لـلـهـو ولـــم أنــل
مـــن الـبـيـض وصـــلا آمــنـا أن يـصـرمـا

ولـــم أســهـر الـفـتـيان  لــيـل مـسـرة
طــويــلا ألا يـــا رب لــيـل قـــد أســأمـا

{...} ولم أفحم الخنذيذ في يوم مجلس
مــن الـناس مـشهود و مـا كـان مـفحما

أتــــى ثــانـيـا مــــن جــيـده مـتـخـمطا
يـــمــج لــغــامـا مـسـتـطـيـرا وبـلـغـمـا

فـــصــدّ صـــــدود الـمـسـتـكين كــأنــه
مــن الــذل مـحـسوم الـخصاء
و  أحجما [2 

وإذ يقدم الشاعر لشباب قومه نموذج الفتى الكامل كمثل أعلى يصبو إليه ذوو الهمم العوالي، فإنه لا يغفل عن متطلبات الإصلاح الاجتماعي والسياسي.

3-2  شاعر الإصلاح:

لعل غرض لإصلاح هو الهدف الأسمى الذي تؤول إليه معظم مساعي ابن الطلبة، فاستعراضه للفتوة وفخره، وربما حتى غزله، لا يخرج شيء من ذلك عن المنحى التربوي العام الهادف إلى إيقاظ همم الشباب. ومديحه لأعلام عصره لا يدخل في باب التكسب، بل هو دوما إشادة بمآثر الخير والإصلاح ومناقب الصلاح والزهد، إبرازا لمكانة هؤلاء الأعلام كقدوة في العلم والسلوك. أما فخره بمكانة عشيرته ونبل أعراقها ومآثرها في حرب "شرببه " فليس كل ذلك إلا مقدمة لدعوتهم إلى الارتقاء بالحاضر لمواجهة تحديات المستقبل:

 آل يـعـقـوب شــمـروا لـلـمـعالي
واسـتـعدوا لـمـا تـجـيء الـليالي

وأعــــدوا لــكــل خــطـب مــلـم
عـــــده مـــــن عــــزازة ونــــوال

وتـواصـوا بـالـحق والـصـبر وابـغوا
في العفاف الغنى على كل ل
حال[29]

وفي ميدان الإصلاح الديني اتخذ ابن الطلبة موقفا واضحا من الصراع الدائر في عصره بين مدرسة علوم الحديث والتصوف من جهة، ومدرسة علم  الكلام الأشعري وفقه الفروع من جهة أخرى. ومع تنكبه الدائم للمشاحة في الجدل أوالمهاجاة، فقد أيد بقوة مدرسة علوم الحديث وسلوك التصوف. و من المعلوم أنه يرتبط بعلاقات عائلية وطيدة مع كمال الدين المجيدري شيخ هذه المدرسة، وكذالك مع كبار الآخذين عنه مباشرة أوغير مباشرة[30].

ويعلن معارضته لأعداء هذه المدرسة دون أن يصرح بأسمائهم أويتعرض لهم بالهجو أوالانتقاد الشخصي:

                                                                           {بسيط }

أبـلـغ بـنـي عـامـر جـهرا مـغلغلة
أني عدو لمن عادى ذوي السنن

إنـــي لــهـم نــاصـر والله يـنـصرنا
ولست ممن يعاديهم وليس مني
 

ثم يصف شيخ هذه المدرسة في عهده؛ البخاري بن الفيلالي:

إن الـــبـــخـــاري إن الله فـــضـــلـــه
ما ذا عسى حاسدوه ينقمون مني؟

لــمـا رأى الـسـنـة الـبـيضاء ضـيـعها
جـهـلا ذوو الـمـلة الـعـمياء مـذ زمـن

أكــــب عــضــا عـلـيـها بـالـنـواجذ لا
يـلـوي عـلـى فـاتـن مـنـهم ومـفتتن

عـض الـجموح على فأس اللجام إذا
مــا رمـت تـقدعه يـربد فـي الـسنن

ثم يوضح سند هذه المدرسة ابتداء من كمال الدين المجيدري:

وراثــة مـنـه عـن شـيخ الـشيوخ كـما
ل الدين من لم يحف عن أقوم السنن

عـن شـيخنا الـتاز عـن عـبد الـعزيز ألا
"تـلـك الـمـكارم، لا قـعـبان مــن لـبـن
 

ويتكامل المنحى الصوفي لهذه المدرسة مع التزام فقهي بتأصيل الأحكام في منطلقاتها من  القرآن والحديث، والابتعاد عن ما لا أصل له في هذين المصدرين. كما تتصدى هذه المدرسة للبدع الفاشية تنديدا بها ودعوة إلى اطراحها وعدم البحث لها عن مسوغات فقهية، وهي في ذلك تختلف عن مدرسة فقه البادية، ومن هذه الممارسات التي دعى ابن الطلبة إلى نبذها: عادة التيمم بدون عذر شرعي كما هو الفاشي بين أوساط العامة، ويبدو أن بعض الفقهاء قد اعترض إنكار ابن الطلبة مما أثار حنقه وشفقته على دين الله:

                                                                                {طويل}

تـظـاهر أقــوام عـليه فـطمسوا
هــداه فـهم عـاد عـليه وخـاذل

فـحسان عـاد والـمهدي بـهديه
وجـل الـزوايا فـيه عـنهم يجادل

يـجـادل عـنهم خـسة وطـماعة
ألا لحيت تلك اللحى والحواص
 

ثم يسخر من الحجج التي يتعلل بها من يبيح التيمم.

ويعلم ابن الطلبة أن تحقيق مشروعة الإصلاحي يتطلب أكثر من الكلام، فلذلك يدعو صراحة إلى استئناف الجهاد دفاعا عن الدين الحنيف:

 ولم يحم دينا مستباحا حريمه
مـن المعتدي إلا القنا والقنابل

وفـتيان صـدق صـابرون لـربهم
يحامون عنه وهو عنهم يناضل

وتمثل هذه الدعوة جانبا من طموح فئة الزوايا إلى نفض الغبار عن أمجادها ومناوأة المجموعة الحسانية المتغلبة.

ويبلغ هذا الطموح أوجه بالدعوة إلى الجهاد ونصب الإمام، وهي دعوة شارك فيها ابن الطلبة دون أن يتزعمها، وتبدو حدود هذه الدعوة وطابعها النظري من مخاطبة ابن الطلبة للأمير محمد الحبيب (النص رقم 5) حيث يظهر التباس العلاقة بين مؤسسة الحاضرة الدينية المستفيدة من الاستقرار النسبي الذي يوفره المتغلبون مع رفضها لتحمل تبعات هذه المشاركة أخلاقيا.

وإذا كان بعض شيوخ هذه المؤسسة قد حاولوا تطويع النص الشرعي لتكييفه مع متطلبات الحياة البدوية، كما نجد عند الشيخ محمد المامي، فإن ابن الطلبة يبدو أكثر اهتماما بتطويع الممارسات البدوية لتنسجم مع المثل الأعلى الديني كما يظهر من رفضه لظاهرة التيمم، انسجاما مع ميله إلى إعطاء الأولوية لإقامة دعائم المدينة الفاضلة في عالم المثل الأخلاقية، والارتفاع بالوقع إلى شم المعالي، تجسدا لهذه المثل.

وتشكل هذه الرؤية الخيط الناظم لمشروع ابن الطلبة الإصلاحي في المناحي الدينية (اتباع السنة النبوية اعتقادا و ممارسة) بالعودة إلى منبعها الأصلي بعيدا عن التفريعات الكلامية والفقهية، وكذلك في الوجهة الأدبية: (احتذاء شعر الجاهلية وصدر الإسلام واطراح ما جد من ذلك من صنعة وتفنن) وفي المنهج الأخلاقي (نموذج الفتوة).

وبذلك يظهر أن ابن الطلبة بالفعل كان شاعر عصره ولكنه فضلا عن ذلك كان شاعر كل العصور بمآثره التي نحاول اليوم  تخليد جانب منها واستلهاما لقوله:

ومــا مــات مــن أبـقـى ثـنـاء مـخـلد
وما عاش من قد عاش عيشا
مذمما[31]


[1]   آدونيس،  [علي أحمد سعيد ] زمن الشعر،  دار العودة،  بيروت ط 3، 1983، ص،  10

[2]  محمد لامين و لد ملاي ابراهيم،  الشعرية التاريخية و أدبية الأدب الموريتاني،  دار الأمين القاهرة 2001، ص35

[3]   المرجع السابق الصفحة نفسها

[4]   محمد عبد الله بن البخاري، :  كتاب العمران،  مخطوط

[5]   أحمد المامون بن محمذن الصوفي،  الديوان.

[6]  المختار بن بونا،  {المختار بن سعد الجكني }،  الاحمرار و الطرة على ألفية بن مالك،  المطبعة الحسينية،  القاهرة،  1327هـ

[7]   محيض بابه بن اعبيد،  رسالة في بعث الأجساد،  يرد فيها على البخاري بن الفلالي اليعقوبي {سيد محمد ولد بزيد }

معجم المؤلفين،  نشر مؤسسة سعدان،  تونس،  1996، ص.  153}

[8]  أحمد الصغير التيشيتي،  مسألة القطع بما أخبر به الولي {مخطوط}

[9]   الشيخ سيديا محمد،  الخليفة الكنتي،  الرسالة الغلاوية،  تحقيق حماه الله بن محمد سالم،  { قيد النسر }.

[10]   راجع نقائض الشاعر الأحول الحسني مع ابده بن محمد محمود العلوي،  {الوسيط ص،  304 وما بعدها و ص 40 وما بعدها } و مساجلات أحمد البكاي الكنتي مع أحمد سالم بن السالك بن الإمام الحاجي {ولد اباه،  الشعر و الشعراء، تونس 1987، ص368 و ما بعدها } وغيرها كثير،  ومن المعروف أن الأحول الحسني و أحمد البكاي الكنتي قتلا في حروب قبيلتيهما.

[11]  محمد المختار بن اباه،  الشعر و الشعراء،  ص 54 و ما بعدها

[12]  ولد مولاي إبراهيم م. س.،  ص. 45

[13]  المرجع السابق،  ص. 38.

[14] أحمد ولد الحسن،  {جمال }، الشعر الشنقيطي،  ص. 249.

[15]  راجع الديوان،  النص رقم 17 البيت 57، {ميناء جور }

[16]  راجع الديوان،  النص رقم 17، البيت 58، {نخل ابن البوص}

[17]  راجع الديوان،  النص رقم 6البيت 1،  { الآبار }النص 17،  البيت 14، النص 25، البيت 12  و 13

[18] الديوان النص رقم،  5{الأمير محمد الحبيب }

[19] الديوان النص 60، {ظعان الأعمام و الأخوال }.

[20]   الديوان،  النص،  43،  البيت 3 و ما بعده

[21]   الديوان النص 55، البيت 24.

[22]   الديوان،  النص 55، البيت 8.

[23]   أكبر ممثل لهذا الاتجاه هو محمد ابن الطلبة نفسه لكن لا ينبغي أن ننسى أعلامه الإخرين من أمثال محمد عبد الله بن البخاري بن الفلالي،  و ابن الشيخ سيديا،  و ابن حنبل و غيرهم.

[24]   ابن الأمين،  الوسيط ص. 95

[25]   الديوان،  النص،  78، البيتان 14-15 

[26] الديوان النص 60 , الأبيات 53-55

[27]  الديوان النص 69، الأبيات الأبيات. 69- 70، 75- 77

[29]  الديوان،  النص 60، الأبيات 26-28

[30]  ينتمي ابن الطلبة و المجيدري إلى نفس العشيرة {أبناء الفقيه موسى من اليعقوبين } كما أن الفقيه محمذ آبه بن المختار بن الفقيه موسى كان في الوقت نفسه خال المجيدري و جد ابن الطلبة لأبيه.  أما خالة ابن الطلبة فهي الفاضلة المتصوفة أم الخيرات بنت أحمد خرشي بن مسكه و هي التي كانت تعطي الورد للنساء بأمر من شيخها محمد بن سيدي محمد {محمد عبد الله بن البخاري بن الفلالي،  كتاب العمران، ص 48} و محمد بن سيدي محمد هو خليفة المجيدري بعد البخاري بن الفلالي بن مسكه،  و الأخير {أي مسكه بن بارك الله هو جد والدة ابن الطلبة وهي:  عائشة بنت أحمد خرشي بن محمد الخراشي بن مسكه 

[31]  الديوان،  النص 69، البيت 79         

القائمة

من أدب ابن الطلبة الحساني المزيد

من غزل ابن الطلبة  المزيد

محمد بن الطلبة المولد والنشأة  المزيد

المعجم الشنقيطي العربي المزيد

شعر محمد بن الطلبة المزيد

محمد بن الطلبة المولد والنشأة  المزيد

التعاون المغاربي يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع مؤسسات المغرب العربي بما في ذلك الموروث الثقافي البربري العربي 

المعجم الشنقيطي العربي المزيد

التعاون العربي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات العربية المحلية والدولية   المزيد

التعاون الإفريقي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات الإفريقية النشطة في المجال  المزيد

التعاون الدولي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع الهيئات الدولية المزيد

التعاون المغاربي يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع مؤسسات المغرب العربي بما في ذلك الموروث الثقافي البربري العربي 

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث  مركز محمد بن المزيد

التعاون العربي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات العربية المحلية والدولية   المزيد

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث  مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث مركز محمد بن المزيد

التعاون الإفريقي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات الإفريقية النشطة في المجال  المزيد

التعاون الدولي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع الهيئات الدولية المزيد

 
top Back to top