ISET

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث : مجال اهتمامات المركز ومشاغله البحثية يتجاوز الأشخاص والجهات، مركزا على شتى ألوان الثقافة العربية الإنسانية التي أنتجتها هذه البلاد وما جاورها؛ دون أن نغفل الثقافة الإنسانية العربية والعالمية منها عموما
 اتصل بنا من نحن بحوث مرويات النشاطات الرئيسة

بقلم محمد الأمجد بن محمد بن أبات:

مدرس باحث؛ كلية الآداب، جامعة نواكشوط

الخطاب الديني الإصلاحي في ديوان محمد بن الطلبه

 

{{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صاحا

وقال إنني من المسلمين}} {سورة فصلت، الآية 33}

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد،

يتألف موضوع "الخطاب الديني الإصلاحي في ديوان محمد ابن الطلبة" من عناصر ثلاثة:

-         ديني:يمثل المنطلق المعرفي؛

-         إصلاحي يمثل الهدف المنشود؛

-         شعري:هو وسيلة إبلاغ وإقناع.

 

ويربط الموضوع ارتباطا وثيقا بالسياق الذي أنتج المدونة، ذلك أن النص {المدونة } فعل ثقافي يسعى إلى التأثير في المتلقي وتوجيه سلوكه وأفكاره لتغيير واقعه السياسي والاجتماعي،فلا بد لذلك من النظر في أطره العامة {السياسية والاجتماعية والثقافية} فقد غدا من المسلمات أن "التجديد التاريخي والاجتماعي، فلابد لذلك من النظر في أطره العامة{السياسية والاجتماعية والثقافية}. فقد غدا من المسلمات أن "التجديد التاريخي والاجتماعي يجعل الإنسان واقعا ويحدد مضمون إبداعه"[1]وربما كان أبرز نقص في تجارب بعض المناهج النصية التي تعاملت مع النص بنية مغلقة، رغم خصوبة معطياتها ووسائلها الإجرائية.بيد أن إفراط المناهج القديمة في الاهتمام بتلك القبليات أدى من جهة ثانية إلى إهمال النص وجعله ثانويا وثيقة أو شاهدا.

ولعل المنهج الأعدل في ذلك ما استقر أخيرا على النص من الأخذ بالمعطيات القبلية ذات المردودية مع التركيز على النص من حيث هو نسيج لغوي، وذلك في إطار تركيب منهج من عدة مناهج حيث لم يعد ثمة منهج نقدي يدعي الكمال[2]

لذلك قدمنا بملاحظات موجزة – إذ لا يتسع المقام للبسط – حول مساق المدونة، وهي ملاحظات لا يسع إهمالها لتواشجها مع الموضوع. وبعد تلك التوطئة تناولنا عناصر الموضوع بدءا بتحديد مدونة الخطاب لبيان مكانته في الديوان، واستجلاء نصوصه ثم عملنا عر استنطاق نماذج مختارة من تلك المدونة لبيان أهم المضامين التي احتوتها.

وقد فرض اتساع حجم المدونة انتقاء نماذج محددة، وهو انتقاء قد يجافي الموضوعية إن لم يشفع له وضوح النموذج، وتمثيله للمسكوت عنه ، مع كونه ضرورة منهجية.

ثم أن وضوح تلك الأمثلة وصراحتها يغني في نظرنا عن كثير من المقاربات والتحليلات الأدبية، إذ نظن هذا العمل مقاربة موضوعاتية تتعلق ببعد مضوني محدد. بدا من اعتماده وسيلة إجرائية مأمونة. لذلك كله تجنبنا القراءة النقدية المتخصصة التي قد تكون موضوع أعمال أخرى مصاحبة .

-         مساق النص

نتناول هذا القسم، وبإيجاز، ثلاثة عناصر هي: الواقع الثقافي وحركة الإصلاح.

-         الواقع السياسي

أطلق بقض علماء القرن الثالث عشر على هذه البلاد، أسماء دالة مثل: البلاد السائبة وبلاد الفترة والمنكب البرزخي،[3] وهي نعوت تدل على أبرز سمات العصر، وهي الفراغ السياسي وغياب السلطة المركزية، فقد خضعت المنطقة لمؤثرات داخلية وخارجية ساهمت في تشكيل خارطتها السياسية، وأهم تلك المؤثرات:

أ‌-       على المستوى الداخلي

بعد انتهاء حرب "شرببه" التي رمت إلى إقامة مركزية إسلامية في هذه البلاد انطلاقا من الركن الجنوبي الغربي للفضاء الشنقيطي، استقرت التركيبة الاجتماعية المكونة من فئات متمايزة تتوزع الاختصاصات وأهمها

-         حسان  الدين يتولون السلطة السياسية والعسكرية، فهم أهل المملكة والشوكة[4] وقد تركز نشاطهم في المجال الحربي وكونوا إمارات تتوزع جل أقاليم البلاد وهي أمارات عانت من صراعات أضعفتها وحجت من قدرتها على ضبط الأمور مما أنتج ظاهرة السيبة .

-         الزوايا حملة العلم والدين وأصحاب المناصب الشرعية، فهم أهل القضاء والفتيا، اكتسبوا بذلك سلطة فعالة وتأثيرا كبير في المجتمع، وإن لم يرق إلى التحكم الكلي في مسار الأمر العام لتجرد القوم من السلاح، فقد وضعوا السلاح بعد مقتضيات شرببه ونظروا لذلك، واعتمدوا المداراة بديلا، وانكبوا على التعلم والبحث انكبابا أثمر نهضة علمية متميزة.

-         وكانت هناك فئات أخرى وطوائف متنوعة لا يستغنى عنها.[5]

ورغم التمايز بين فئتي حسان والزوايا ظل هناك تكامل وتشاور بين سدنة المحاضر العلمية وبعض الأمراء، وخاصة الأمراء الذين اشتهروا بالعدل والمساعي الحسنة مثل محمد الحبيب فقد كان ينضب القضاة ويدفع المظالم، والأمير أحمد ولد امحمد الذي اشتهر بالعدل كذلك. ومن المعروف أن هذه التقسيمات التخصصية الفئوية  كانت أيضا نسبية حيث كان من المجموعات الحسانية من يهتم بالعلم والتعلم ويشارك في الجوانب الثقافية، كما كان من قبائل  الزوايا من يحمل السلاح ثم إن هذه التقسيمات والتخصصات تختلف علائقها وحدودها باختلاف المناطق، ولا يخفى أن جل التركيز في هذا الموضوع انصب على المنطقة التي عاش فيها ابن الطلبة فلا يمكن تعميم معطياته على باقي الأقاليم دون دراسة متأنية.

ب‌-  على المستوى الخارجي:

كان أبرز التأثيرات الخارجية كون المنطقة تعيش ظلال الاستعمار ونذره فقد كان الفرنسيون على الشواطئ وضفة النهر جنوبا يسعون إلى احتلال المنطقة بشكل واضح تسبب في شيوع جو من الخوف والترقب والتأهب.

لذلك فإن"هذا التعدد في مصاب ومرمى التأثير السياسي وما صاحبه من انحصار السلاح في يد فئة واحدة من المجتمع وضعف في البنية الداخلية للإمارت المحلية وما إليه كل ذلك أفرز على المستوى الداخلي للبلاد وضعا شديد الاضطراب كان الفساد السياسي والظلم الاجتماعي أبرز ما يميزه"[6] ولذلك "ظلت الصراعات الدامية قائمة في  المنطقة قلما يخبو أوارها أو يهدأ غبارها، فسادة الفوضى واجتاحت المجتمع بأسره مسلحا كان أو أعزل؛ وعجزت الإمارات عن أن تكف يد لص أو تحقن دم بريء[7].

2- الواقع الثقافي:

عرفت بلاد شنقيط  منذ منتصف القرن الثاني عشر ازدهار معرفيا فريدا تجلى في كثرة العلماء والأدباء وحلقات الدرس والتأليف والمناظرات، وقد نمت بلك النهضة في ظروف صعبة بدوية اكتنفتها عوائق جمة منها بعد المنطقة عن مراكز الإشعاع الحضاري الإسلامي في المشرق، وندرة المصادر والمراجع فكان الكتاب أندر السلع وأعزها وجودا، تضاف لذلك قلة وسائل الكتابة والتحصيل ومشاغل الحياة البدوية غير المستقرة.

ورغم تلك العوائق عملت المحظرة على تنمية تلك النهضة وتأطيرها وصاغتها في ثوب طريف متميز.

وقد نتجت تلك النهضة في الأساس عن انكباب فئات الزوايا على التعلم والتعليم والبحث كما مر وبذلك الجهد الكبير كون الزوايا سلطتهم الثقافية البديلة حتى أصبح الكتاب موازيا للسيف، وكاد الإسلام عندهم ينحصر في بعده الثقافي حيث أصبحت الثقافة أهم مظاهره[8] وشملت تلك النهضة العلمية مجالات عدة من أبرزها علوم الشريعة الإسلامية من قرآن وفقه وعقائد ولغة وأصول بالإضافة المتمات والأدوات المعرفية الأخرى.

لذلك فإن "رسوخ الإسلام دينا وثقافة هو الذي وضع مهاد هذه الحياة الثقافية في بلاد شنقيط"[9] وتميزت تلك النهضة بسيطرة الدرس الفقهي الذي عرف اتجاهين بارزين

أ‌-       اتجاه أصولي سلفي تجلى في مظاهر عدة منها:

دعوة كمال الدين المجيدري {ت1204هـ} ذات الخلفية العقدية الفقهية المنطلقة من الكتاب والسنة الداعية إلى نهج سني سلفي .

مؤلفات في التفسير والحديث عكست حضور تلك الأصول ومشاركتها في الدرس المحضري مثل الريان في علوم القرآن، والذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز، والنهر الجاري على صحيح البخاري وغيرها

آراء جماعة الإصلاح ودعوتهم الواضحة إلى تحكيم الكتاب والسنة واستلهام معاني الخلافة الإسلامية الراشدة.

ب‌-  اتجاه فروعي مذهبي:اهتم في إطاره بعض الفقهاء بتكييف الدرس الفقهي مع المقتضيات المحلية للمجتمع البدوي الصحراوي[10] وتمثل ذلك في:

استظهار ثقافة المتون والمختصرات والشروح الفقهية واللغوية

وضع الشروح والطرر والحواشي والأنظام.

النظر في النوازل المحلية.

أما الدرس  اللغوي فقد تطور وازدهرت علوم النحو والصرف والبلاغة وكانت ثمة نصوص مقررة في المحضرة منها الجاهلي والإسلامي، تهدف إلى تعلم السليقة اللغوية والتسلح بها في فهم النصوص الدينية .ومن الأمثلة الدالة على عنايتهم الفائقة باللغة العربية أنهم وضعوا على ديواني أشعار العرب الجاهلين أشعار الشعراء الستة الجاهليين وغيلان ما يناهز مائة شرح خلال قرنين من الزمن[11] من كل ذلك بنى الشناقطة ثقافة أدبية شرعية متنوعة عبر عنها ابن الطلبه بقوله:

                                                                                     {خفيف}

دينهم حفظ دينهم وعلاهم

وعلوم الكتاب والآداب[12]

 

كما عبر عنها ابن الشيخ سيدي {1247- 1286هـ}بقوله:

                                                                                               {وافر}

وكم سامرت سمارا فتوا

إلى المجد انتموا من محتدين

أذاكر جمعهم ويذاكروني

بكل تخالف في مذهبين

كخلف الليث والنعمان طورا

وخلف الأشعري مع الجويني

وأوراد الجنيد وفرقتيه

إذا وردوا شراب المشربين

وأقوال الخليل وسيبويه 

وأهلي كوفة والأخفشين

ونحو الستة الشعراء ننحوا

ونحو مهلهل ومرقشين

وشعر الأعميين إذا أردنا

وإن شئنا فشعر الأعشيين

ونذهب تارة لأبي نواس

ونذهب تارة لابن الحسين[13]

 

فشاع الشعر وتنوعت أغراضه وكثرت ألوانه فكان تعبيرا وجدانيا حينا وأداة علمية إصلاحية حينا، "ولا شك أن الجو النفسي والاجتماعي؛ وطبيعة الحياة في الصحراء ساعدتهم على إحياء روح الشعر القديم"[14]  وعاش في هذا العصر شعراء أثبتوا جدارتهم الأدبية بالتمكن وحسن الأسلوب وطول النفس والتفنن، وأولئك رواد حركة الشعر وهم في الغالب جمع من العلماء والأدباء صاغوا شعرهم في إطار البنية الدينية الثقافية السالفة، ومثلوا قمة الازدهار المعرفي، "فإذا جاز إطلاق تسمية العصر الذهبي على فترة من تاريخ الثقافة العربية الإسلامية في بلاد شنقيط؛ فهي ولا ريب القرن الثالث عشر الهجري"[15] وكان الدين الإطار والمرجع الذي يحكم إنتاج النص "وكان هناك تداخل وتكامل بين الحقل الأدبي والحقل الثقافي الديني ... وكان إنتاج الشعر في حدود ما يسمح به الدين ثم إن أنتاج السلطة الدينية مثل تشريعا وتسويغا لهذا الفن"

ورافق الشعر خطاب نقدي توجيهي سعى إلى تكوين أرضية ثقافية أدبية وقدم نصوصا نموذجية دعا ضمنا إلى احتذائها ومعارضتها[16] فأنتج القوم أدبا إسلاميا ملتزما بقضايا المسلمين مراعيا الآداب الإسلام وضوابطه وفي هذا الإطار يتنزل معظم هذا الديوان.

3- حركة الإصلاح:

تميز القرن الثالث عشر الهجري، كما مر، بتحكم ثنائية ضدية طرفاها تدهور الوضع السياسي وشيوع الفوضى من جهة والنهضة الثقافية العلمية المزدهرة من جهة ثانية.

وقد أدى تعايش الظاهرتين إلى صراع جذري لرفع التوتر وإحداث التوازن، فعملت النخبة المثقفة على نقد الواقع السياسي وتغييره وكان هذا الواقع يتسم بغياب السلطة المركزية التي تضمن الانتظام الديني والاجتماعي غيابا أدى إلى مظاهر فساد كثيرة مثل السيبة والانحراف الأخلاقي وضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس.

وتجسد مسعى النخبة من خلال حركة إصلاح قادتها كوكبة من العلماء والأدباء، من بينهم: محمد بن الطلبة{1188- 1272هـ} وأجدود بن اكتوشن {ت1277هـ} وباب بن أحمد بيب {ت1276 هـ} محنض باب بن اعبيد{1185- 1277هـ} والشيخ محمد المامي {ت1282هـ} وسيدي محمد بن الشيخ سيديا{تـ1286هـ}. وتمثلت في جملة من النصوص والمراسلات، تدرجت من نقد الواقع إلى الدعوة للجهاد سعيا إلى نصب الإمام وقيام الدولة الإسلامية التي تحقق معاني خلافة الإنسان في الأرض؛ وقد مثلت  مراسلاتهم الشعرية لونا أدبيا متميزا في أدب القرن، وقد جمعت جل تلك النصوص بحوث جامعية بعد أن درسها الأستاذ المرحوم أحمد جمال ولد الحسن وعرف بها؛ ولعل مزيدا من البحث يظهر عناصر أخرى من هذه الحركة ونصوصا جديدة.

وكان الدافع الأساسي لتلك الجماعة الغيرة على الدين الإسلامي وحماية بيضته وحرماته بعد أن طمس الناس هداه على حد تعبير ابن الطلبة:

                                                                         {طويل}

مصيبة دين الله أمسى عماده

كمنفوس حبلى غرقته القوابل

تظاهر أقوام عليه فطمسوا

هداه فهم عاد عليه وخاذل[17]

 

فقد أكد جماعة من الإصلاح انطلاقهم نم تلك المصيبة الكبرى وصوروا وضعية الهوان والاختلال التي يعيشها مجتمعهم نتيجة لذلك يقول باب بن أحمد بيبه:

                                                                               {بسيط}

دع ذا ففيما أصاب الدين من وهن

لذا النهي عن سبيل الغي أشغال

لبئس ما اعتضتم من دين ربكم

ذل ودين من  الأديان معطال

عوجاء لم تك منهاجا لأولكم

فتركبوها كما الكفار قد قالوا

ولم تكن في أصول الشرع جائية

وما لها في فروع الشرع إدخال

ويقول محنض باب موضح اختلال الميزان الشرعي والأخلاقي:

                                                                        {كامل}

لا ينكرون على سفيه قوله

إن المقال كما تقول حذام

ويقام طالحهم مقام كرامة

ويقام صالحهم بشر مقام

وقد نضجت دعوة هؤلاء من خلال طرح فضيتين متكاملتين ومترابطتين أولاهما الدعوة إلى نصب الإمام، يقول الشيخ محمد المامي مبينا إلحاح هذا الأمر وإمكانه:

                                                                                                 {الوافر}

وقلتم لا جهاد بلا إمام

نبايعه فهلا تنصبونا

وقلتم لا إمام بلا جهاد

يعززه فهلا تضربونا

إذا جاء الدليل وفيه دور

كفى ردا لقوم يقلونا

 

ثم يسترض مزايا الإمام:

كذلك أنتم حيث اجتمعتم

على نصب الخليفة تقدرونا

فينفي ظلم بعضكم لبعض

وبالحد المقام تطهرونا

وينصب حاكما بالعدل يقضي

فلستم بعده تتنازعونا

ويضحى أمركم شورى لديكم

وتتفقون فيما تصنعونا

وتعرض عنكم حسان لما

رضيتم ملة الإسلام دينا

 

ويقول محنض بابه بن اعبيد مبينا نعوت الإمام الأمثل ومحدودا طريقة اختياره:

                                                                                            {الكامل}

درست معالم دينكم حتى وهت

لم يبق منها اليوم عير أسام

درست فآن لكم إذن تجديدها

بمجدد حلف التقى مقدام

لا تختشي في الله لومة لائم

ذي خبرة بالرأي والأحكام

فاغدوا على نصب الإمام بقرعة

وابغوا بذالك نصيحة الإسلام

والثانية الدعوة إلى الجهاد لحماية الإسلام والمسلمين وقد حضوا عليه وبينوا حكمه ومكانته وجزيل ثوابه وما يبرتب على تركه من الفساد؛ قال محنض باب:

فرض الجهاد على الأنام فريضة

يعصي إذا تركت جميع الآنام

وأرى أخي عند التحقق تركها

أصلا لذي الأدواء والأسقام

 

لذلك ركزت حركة الإصلاح المذكورة على موضوع الجهاد "وشغل التحريض على إعداد القوة والاستطراد في وصفها حيزا كبيرا في شعرهم، وقد حرصوا على شمولها جميع عناصر القوة المادية والمعنوية"[18] وقد رفض هؤلاء العلماء بذلك ثقافة الاستسلام وإلقاء السلاح التي تجذرت في أوساط كثير من مجموعات الزوايا بعد شرببه. وهو ما صرح باستنكاره سيد محمد بن الشيخ سيدي:

                                                                        {كامل}

بلغ لمن لاقيت ممن يدعي

إن لم يضن عليك بالإصغاء

أن اتباع محمد وصحابه

ومن اقتدى بهم من الكرماء

في وضع أسلحة بها عزوا على

من رامهم بغيا من الجهلاء

مني التحية والسلام وأنه

تالله أكذب من على الغبراء

ما صان أحمد والصحابة دينهم

إلا بعز الله ذي الآلاء

وبواتر وموازن مسنونة

وسوابغ وسوابق وإباء

 

وقد بينوا أن الجهاد هو الطريق الأوحد والسبيل الأمثل لمواجهة أوضاع المجتمع التي تقدم وصفهم لها، يقول ابن الطلبة:

                                                                               {طويل}

ولم يحم دينا مستباحا حريمه

من المعتدي إلا القنا والقنابل

وفتيان صدق صابرون لربهم

يحامون عنه وهو عنهم يناضل[19]

 

يقول الشيخ سيدي:

                                                                                   {وافر}

حماة الدين إن الدين صارا

أسيرا للصوص وللنصارى

فإن بادرتموه تداركوه

وإلا يسبق السيف البدارا

بأن تستنصروا مولا نصيرا

لمن والى ومن طلب انتصارا

مجيبا دعوة الداعي مجيرا

من الأسواء كل من استجارا

وأن تستنفروا جمعا لهاما

تغص به السباسب والصحارى

 

وبذلك قدمت تلك الجماعة الإصلاحية تصور إسلاميا واضح المعالم لحل القضايا المطروحة في المجتمع وذلك عبر نصوص حية نابضة بالعواطف الدينية الجياشة في لبوس فني جميل ومؤثر ورغم وضوح أهداف الحركة ومكانة أصحابها العلمية والاجتماعية الرفيعة فقد بقيت محصورة في مستوى نظري نخبوي نظرا لقوة التيار المعارض وضعف النسيج الاجتماعي.

ولا يمكن أن نلم في هذه الملاحظة السريعة بأبعاد تلك الحركة وأفكارها وأدبياتها بل لا بد لذلك من دراسة موضوعية متأنية.

-         مدونة الخطاب:

يرى المتأمل لشعر ابن الطلبة أن نصوصه مفعمة بالمعاني النبيلة السامية من خض على محمود الأخلاق وتغن بفضائلها وتفنن في قيمها. ولا تخص ذلك النصوص ذات المضمون الإصلاحي الصريح بل إن القارئ يحس بهيمنة قيم الكرم والشهامة والعفة والنجدة... غامرة كل النصوص وقد أفضى بنا هذا الانطباع بعد تأمل للنص إلى اعتبار أن الخطاب الديني الإصلاحي يشكل مقصدية الديوان العامة المعلنة حنا، والضمنية أحيانا، فهو الهدف الذي يغذي النص ويقف وراءه نية باعثة ومبدأ محركا، لذلك شاع في الديوان بحيث كان أعم من كونه غرضا من الأغراض، بل هو ظاهرة متميزة حاضرة في جميع النصوص، تؤطر فضاء الديوان وترسم أبعاده الفكرية والفنية، فيمكن أن يعتبر لذلك غرض الأغراض. فتمايز نصوص الديوان الظاهري يؤول بتداخل المعاني والأغراض إلى وحدة مضمونية منسجمة بحيث تتجاوز النظرة في عمق النص تعدد الموضوعات الظاهري إلى اكتشاف هيمنة نمط خطابي معين هو الخطاب الديني الإصلاحي، وتجلت تلك الهيمنة في مستويات عدة عكست تنوع الخطاب الديني وغناه من حيث البناء والمعاني والأساليب والمرجعية، وذلك لاستيفاء أبعاد الفكرة وتسويغها للسامع بمختلف الفنيات والوسائل، للتأثر والإقناع والتشويق.

فالمدونة وإن بدت محددة في  ديوان الشاعر، فإن تحديدها على مستوى النصوص يتطلب قراءة متأنية. ولاستقراء الخطاب في الديوان وتحديده بصورة منهجية حاولنا رصده عبر مستويين بينهما تداخل موضوعي ولكنهما متمايزان بناء.

أولا عمودي:

تمثيله النصوص المتمحضة للغرض وهي نصوص ذات بنية بسيطة تتألف من الموضوع المحور مع مقدمات تقليدية غالبا ويتجلى ذلك في نصوص الجدول التالي:

الجدول رقم 1

1

مطلع النص

عدد الأبيات

البحر

الموضوع

2

أقفرت من أنيسها البطحاء

64

الخفيف

مدح نبوي

2

بات المتيم مما شفه أرقا

65

البسيط

مديح نبوي

3

أهاجك رسم بالغشيوء مثال

55

الطويل

إصلاح وجهاد

4

هاج عرفان منزل بالجناب

24

الخفيف

توجيه

5

أأحمد صبرا على ما ينوب

17

المتقارب

نصح وتوجيه 

6

ألا حرم المخ في مجمع

15

المتقارب

إصلاح اجتماعي 

7

ألا أبلغ محمدنا الحبيبا

6

الوافر

حماية أهل الدين

8

يا من يزم جماله لتفرق

3

الكامل

إصلاح اجتماعي

 

9

إلى الفقيه ابن عوف من أحبته

3

البسيط

مسعى اجتماعي

10

أتاني حديث ابن الأديب ودونه

3

الطويل

تنويه المكارم

المجموع

10 نصوص

255 بيت

بحور

8مواضيع

 

ثانيا مسار أفقي: تجلى في مستويات عدة أهمها:

1-    نصوص حلقات:

تشكل مقاطع في القصيدة ذات البنية المركبة من عدة أغراض، وقد اعتبرنا الحلقة نصا بصورة إجرائية لأنها تمثل غالبا هدف النص المركب وتظهر تلك الحلقات

الجدول رقم:2

الرقم

مطلع النص العام

مطلع الحلقة

عدد الأبيات

البحر

الموضوع

1

تأوبه طيف الخيال بمريما

أرانا لصرف الدهر صرعين مقعصا

19

طويل

توجيه

2

صاح قف واستلح على صحن جال

آل يعقوب شمروا للمعالي

14

خفيف

توجيه

3

علام الأسى إن لم نلم ونجزع

وفتيان صدق قد دعوت فبادروا

16

طويل

خصال حميدة

4

إن لي بالدموع سبحا طويلا

أيها القلب عد عن سنن الباطل

4

خفيف

إنابة

5

عدا على عوادي الهم والحزن

أبلغ بني عامر جهرا مغلغة

4

بسيط

نصر السنة

المجموع

5نصوص

5نصوص حلقات

57

3بحر

4 موضوعات

 

2-    معان دينية متنوعة:

وهي كثيرة، فقد غدت قيم الخطاب الإصلاحي معيار مرجعيا في الديوان وتجاوزت المعاني الإسلامية حدود الأغراض وحواجز المضامين ونشر بإيجاز إلى نماذج لتلك المعاني:

أ‌-       الدعاء:

كثر في رثاء مولود بن أحمد الجواد:

                                                                                              {بسيط}

يا ربنا أول من نعماك مولودا

عفوا وظلا من الفردوس ممدود

وأوله الماء مسكوبا وفاكهة

والسدر والطلح مخضودا ومنضودا[20]

 وقوله يرثي فتى الخمس:

                                                                                             {رمل } 

فسقى الله ضريح ضمه

صوب مزن كلما هد وبل

وتلقاه ببشر ربه

وقبول وحباه ما سأل[21]

 في المديح والتهنئة كقوله:

                                                                                           {بسيط}

لا زلت في منعة أعيت مراكزها

وعز عوز من ناواه صيهود

لازلت محسودا على كرم

لا عاش من عاش دهرا غير محسود[22]

 

وقوله:

                                                                                    {متقارب}

جزاك الإله جزاء يفي

بما جئت من حسن المصنع

وبارك يا بارك الله في

مساعيك واظفر بما تدعي[23]

 في الغزل كقوله:

                                                                     {بسيط}

إني أعيذك بالرحمن ميمونا

من كل ما ليس يا ميمون مأمونا

يا رب ميمون حطها حوط مقتدر

واحفظ مييمين حفظا ليس ممنونا

وانقل لعيني ما تشكو وإن فعلت

بالقلب ما فعلت عمدا مييمينا

وامنن عليها بما ترجوه من أمل

وامنن على بها يارب منينى

واعطف على إلهي قبلها فلقد

أصبحت من هجرها هيمان مجنونا[24]

ب‌-  الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: في بعض قصائد المديح والرثاء والتهاني وغيرها من ذلك قوله:

                                                                   {بسيط}

صلى على قدره الله الحفي به

عليه والآل والصحب الذي ومقا[25]

ج- القسم: وقد شاع في عدة نصوص من أمثلته:

                                                                  {بسيط}

أما ومن حج أفواج الحجيج له

وحيث تنحر عند المشعر البدن[26]

وقد بلغت مدونة تلك المعاني ثمانية وأربعين بيتا وبإضافتها إلى نصوص الجدولين السابقين تصل المدونة المنطوقة للخطاب الديني ألى360  بيتا أي حوالي 24% من نصوص الديوان.أما المعاني الدينية الضمينة فيعز حصرها إذ تغمر نصوص الديوان عامة، وخاصة أغراض الغجر والرثاء والمديح التي تقوم كلها على معايير وقيم إسلامية جلية، لذلك نظن أن قراءة دقيقة متأنية لتلك الأغراض يمكن أن ترفع النسبة المذكورة إلى حوالي 50% من نصوص الديوان.

3-    ضوابط عامة: وهي ضوابط تمثل نصا ضمنيا يتجلى في الالتزام بالآداب والأغراض الإسلامية مع الحذف القصدي أما لما ينافيها من أغراض وأساليب. فقد خلا الديوان من الهجاء والتشبيب الفاحش والمجون والاستجداء، ولا يعارض ذلك ما في الديوان من غزل، فرغم تفنن الشاعر في هذا الغرض فإنه لم يخرج عن الضوابط السابقة ثم إن الغزل تقليد أدبي فني تحول تدريجيا إلى عنصر في بنية القصيدة العربية،.   "ولما كان تقليدا فنيا، فوجوده في شعر شاعر لايعني أبدا أنه نظم بيت غزل بالمفهوم الصحيح لكن يحتكم في ذلك إلى قصده من توظيف ذلك المعجم وتلك المعاني"[27].  لذلك يمكن في نظرنا تصنيف نصوص الديوان حسب طبيعة الخطاب في مستويات ثلاثة كما في الجدول التالي:

الجدول رقم 3 النسبة المئوية للخطاب في الديوان

الخطاب الديني الإصلاحي الفعلي

24%

الخطاب الديني الإصلاحي الممكن

26%

الخطاب الأدبي الرصين

50%

                 

تلك أبرز ملامح المدونة في الديوان. ويبدو من خلالها أنه تحصل من المستويين الأقصى والعمودي إركام قصدي لأهم المعاني والقيم الإسلامية الإصلاحية، وهي قيم هيمنت على النص كما تقدم، وإذا لم يتسع المقام لاستقرائها فلابد من التنبيه إلى ارتباطها بما نحن فيه مما يثبت تغلغل هذا الخطاب في نسيج الديوان، وهو مصداق ما زعمناه آنفا من كونه الأغراض وغاية القول.

-         مضمون الخطاب الإصلاحي

اتسم الخطاب الديني في الديوان بتنوع مضموني وأسلوبي كبير، تطرق خلاله الشاعر للعديد من الموضوعات كالعقيدة والإصلاح والتوجيه والجهاد والحكمة. وتغلغل الخطاب في حنايا النصوص في أثواب فنية وفكرية متنوعة، فرواح بين التفنن الأدبي والاستدلال الشرعي والحجاج المنطقي، سعيا إلى الإقناع والتشويق لتحقيق البشارة والنذارة.

ورغم التنوع الظاهري كان ثمة رباط جامع يلم شتات النصوص عنه تخدر في تنوعها وفي مجراه تصب بغايتها وقصدها، إنه الدعوة إلى الله تعالى لإصلاح المجتمع وتحقيق معاني الخلافة في الأرض بإقامة الدين. ويمكن تصنيف تلك المواضيع في محورين جسد فيهما محمد دعوته للإصلاح:

أولهما وهو المنطق: وصف الواقع الاجتماعي وصفا نقديا تشخيصيا لبيان مواطن الداء والاختلال الديني والأخلاقي.

وثانيهما هو الهدف: سبل الإصلاح والدعوة إليه وهو مؤلف من قسمين متكاملين: تربوي – ثقافي يرمي إلى أن تكون الشخصية الإسلامية المثالية وإعدادها عبر التعلم والتوجيه وتقديم القدوة النموذجية.وجهادي يعتمد القوة سبيلا إلى الإصلاح وإقامة الدين إذ به انتشر الإسلام وانتصر في العهد الراشد.

المحور الأول: نقد الوقع:

عرف ابن الطلبة باهتمامه البالغ بالأمر العام وقد أخذ التفكير في إصلاح أوضاع المجتمع الفاسدة وتقويم موازينه المختلة قسطا كبيرا من وقت الرجل واهتمامه وإنتاجه؛ وقد بلغت دعوته الإصلاحية ذروة نضجها ووضوحها في قصيدة اللامية ومطلعها:

                                                                                          {طويل}

أهاجك رسم بالغشيواء ماثل

كما لاح جفن السيف والسيف ماثل[28]

وكانت تلك الأطلال والرسوم تعبيرا عن أطلال الدين الذي تغيرت معالمه واندرست مغانيه وقد مهد لذلك بالمعاني الحافة المفهومة من الغشيواء{الغراء} والتشبيه بجفن السيف وخط الزبور وسرعان ما اتضح الهدف، فقد فصل في هذا النص أهم مظاهر الفساد في ناط ثلاث بعد أن أجملها في سبب رئيسي.

إن كل مظاهر الفساد السياسي والاجتماعي تعود إلى سبب رئيسي هو ابتعاد الناس عن الدين، فمصيبة الدين أبر المصائب وأعمها إذ هو رأس الضروريات بها يصان وبهت يضبط فقد طمس الناس هداه وقوضوا بنيانه لذلك ندبه الشاعر في بكاء تأبيني:

ليبك لدين الله من كان باكيا

فقد عريت أفراسه والرواحل

ليبك لدين الله من كان فقده

عزيزا عليه إذ جفته الأراذل[29]

ثم فصل ابن الطلبة مظاهر الفساد في نقاط ثلاث:

1-    تضييع الصلاة: إن الأهمية المركزية للصلاة تجعلها المظهر الدال على للمسلم فهي عماد الدين، أم الدعائم فقد صح الحديث بأنها أفضل الأعمال وقبولا شرط في قبول تلك الأعمال وهي أبرز العبادات التي يؤدي فيها العبد حق الخالق في خضوع وخشوع، وتجلى ذلك التضييع في التفريط في ركن الطهارة والجماعة:

فالطهارة: شرط في صحة الصلاة وبانتفاء الشرط ينتفي المشروط، وقد لفت انتباه الشاعر عموم ظاهرة التيمم وانتشارها:

يصلون لا يأتونها بطهارة

وعند الأذان نوؤهم متكاسل

يصلون دابا بالتراب جهالة

بأفوههم ترب الحصى والجنادل

يصلون دأبا بالتراب وإنهم

ألوف شعوب جمة وقبائل

يقولون مرضى هل سمعت بأمة

بها مرض قد عمها لا يزايل

نعم مرض القلب المعد لأهله

به درك النار الحرار الأسافل[30]

والجماعة: من شعائر الإسلام ومظاهر عزة وتعاون ذويه، بها تظهر هيبة الإسلام واتفاق كلمة المسلمين، وقد تضافرت النصوص بفضلها والأمر بشهودها وعظم ثوابها وحكمها كثيرة لا تحصى. وقد عبر عن ذلك بقوله:"وعند الأذان نوؤهم متكاسل".

فبالطهارة والجماعة يقبل المصلى على ربه في خشوع وصفاء وبغيرها تنتفي الصلاة حكما ومعنى فينهار بنيان الدين إذ هي عماده.

2-    إهمال الأمر العام: من إقامة لشعائر الدين والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والحكم بما أنزل الله، فتلك أهم مقتضيات استخلاف الإنسان في الأرض وهي الأمانات والعهد، ففي الحديث: من لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم[31]

وأما تكاليف الرجال التي أتت

من الله آيات بهن نوازل

فقد أغفلوها مستحيلن تركها

وقد أهملوها فهي منهم بواهل

لخانوا أمانات الإله وعهده

وما الله عما يفعل القوم غافل[32]

3-    الاشتغال بالدنيا: في ذلك مصادمة لمقاصد الشرع  ووظيفة الإنسان في الكون {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون}[33] وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزهد في الدنيا والعمل للآخرة وضرب وأصحابه على ذلك أحسن الأمثلة[34]، وهو منهج ابتعد الناس عنه كثيرا بإقبالهم على الدينا:

ويبكون أن ضل البعير سفاهة

وأن تظمأ الشول الجوازي الأوابل

وأن تفق البيقور عند ورودها

هناك التباكي منهم والتقاتل

فهلا على الدين الحنيف بكيتم

فلا رقأت تلك الدموع الهوامل[35]

فهو ينعي على المجتمع الانشعال بالهموم الدنيوية متناسيا أن الدنيا مطية الآخرة، وهي دار الصبر على الابتلاء بضروب الفتن ومنها الدنيا.

تشمل تلك النقاط الثلاث كل المظاهر الدينية التي بصلاحها يصلح المجتمع وباختلالها ينتشر الفساد، فالصلاة قمة العبادة والخضوع المخلص للخالق تعالى؛ والتكاليف مقومات خلافة الإنسان في الأرض والدنيا ظرف تلك الأعمال العامة والخاصة وفرصة سعيها. فإذا فرط المجتمع في تلك الأمور وضيعها بلغ ذروة الفساد والانحراف.

تلك مظاهر الفساد فما أسبابه ودوافعه؟

إن حال المجتمع بلك مصداق ما أخبر به الصادق المصدوق  من اتباع سنن الكفار والغربة الأخيرة وقد وعظ الشاعر قومه وذكرهم بذلك مقتبسا ألفاظ الأحاديث الصحيحة المشهورة:

ولما بدا لي غير شك من الذي

قد أنذرنا الهادي الأمين المخايل

نصحت لقومي فازدروني وإنني

وإن فندوا نصحي لقومي ناخل

فلما محضت النصح صموا وأعرضوا

فما منهم للنصح مني قابل

وقالوا لقد سفهت جهر حلومنا

وإني لهم عن ذلك النصح باذل

فقد تمالأت على الدين أطراف فاعلة في المجتمع

تظاهر أقوام عليه وطمسوا

هداه فهم عاد عليه وخذل

فحسان عاد والمهدي بهديه

وجل الزوايا فيه عنهم يجادل[36]

فهو يحمل الفئتين مسؤولية ذهاب الدين وقد تميز في ذلك بجرأة واضحة نادرة في نقده إياهما نقدا لاذعا مع انتمائه إليهما: إلى حسان نسبا وإلى الزوايا ثقافة ومجتمعا.

ثم يتساءل واضعا قومه أمام مسؤولياتهم ممهدا لدعوته الإصلاحية:

فهذا وماذا قد عملتم؟ فشمروا

ولا تدفع الرجس الأماني الأباطل[37]

 القسم الثاني: الدعوة إلى الإصلاح

بعد استعراض مواطن الداء ومظاهر الفساد، بدأ الشاعر يصف الدواء ويحث على الإصلاح ليبصر المسلين بسبيل الخلاص من وضعية الهوان الناتجة عن الفساد السياسي. وفيما يلي نستعرض أبرز ملامح الدعوة من خلا المحورين المذكورين آنفا:

أ‌-       المحور التربوي الثقافي:

سعى الشاعر في هذا المنحى إلى ترسيخ نموذج قيمي مثالي ينبع من الدين الإسلامي ومقتضياته فنوه بالالتزام الديني والكرم والشجاعة والعفة والنجدة وحض على التحلي بتلك القيم في نصوص كثيرة عبر الديوان وذكر القدوة والأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل تلك القيم صراحة وضمنا معيار لمعاني الفخر والمديح والرثاء كما هي مادة التوجيه والحكمة سعيا إلى بناء الشخصية المثالية وإعداد جيل صالح يتحلى بفضائل الإسلام وتترسخ فيه  قيمه ومثله. وتناول ذلك من خلال موضوعات منها العقيدة، المديح النبوي، التوجيه والإرشاد الإصلاح الاجتماعي. وفيما يلي نتوقف بإيجاز عند هذه النقاط

1.     العقيدة

نشأ الشاعر في وسط مشبع بالثقافة الإسلامية بتنوع معطياتها ونصوصها وتلقى منذ صباه علوم المحظرة الشنقيطية كما عايش أهم الصراعات الفكرية والمناظرات العلمية والأدبية فكان لكل ذلك نموذجا متميزا لنخبة القرن. "فحضر وهو يافع مجلس  كمال الدين محمذن المجيدري ... ومجلس سيدي عبد الله بن الفاضل وتابع بعدهما الاتصال بصفوة من تلاميذ المجيدري مثل المأمون ومولود بن أحمد الجواد والبخاري بن الفيلالي ومحمد بن سيدي محمد.[38]...

ولعل في ذلك ما يوضح خلفية توجهه السلفي الذي يمكن استجلاؤه من خلال إشارات موجزة في الديوان حيث لم يخض بشكل مفصل في الموضوع:

تصريحه بالاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه والالتجاء إليه وحده في كل شيء:

                                                                                {خفيف}

حسبي الله إن بالله مسعا

ي وحولي وقوتي وصيالي

وحوالي لما أروم وقهري

لعدوي ونصرتي واحتمالي[39]

نصر السنة والتنويه بها والدعوة إلى تحكيمها واتباعها كقوله:

                                                                                 {بسيط}

أبلغ بني عامر جهرا مغلغة

أني عدو لمن عادى ذوي السنن

إني لهم ناصر ولله ينصرنا

ولست ممن يعاديهم وليس مني[40]

 

وقوله:

                                                                   {طويل}

حلولمهم أحلام عاد ودينهم

بنوه على الأس القويم الممنع

بنوه على نهج النبي محمد

فيالك من نهج هدى متتبع[41]

-         بعض الفتاوي الفقهية مثل فضية بنت ارشيد ولكور :فقد حث فيها على الرجوع إلى أصول الشرع وعدم الاكتفاء بالفقه الفروعي المتأخر في النظر إلى النوازل:[42]

-         يضاف لما تقدم خلو الديوان من أي إشارة كلامية مما ينبئ عن تجنب قصدي واضح لموضوعات ومسائل علم الكلام وذلك من صميم مذهب السلف

-         طريقته في التوجه والإرشاد تنحو هذا المنحى كما تأتي.

2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

من أعظم أبواب الشريعة الإسلامية وأهمها الأمر بالمعروفة والنهي عن المنكر فهو المجال الأساسي الأساسي للإصلاح الاجتماعي والسياسي الثقافي، ولذلك ربطه الشرع بالإيمان، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.[43] وقوله {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}[44] وقد جعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة المؤمن كما جعل تركه صفة للمنافق قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون" إلى قوله" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}[45]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان[46]" وقد حض ابن الطلبة على هذا الموضوع في نصوص عدة كقوله:

                                                                                {خفيف}

وتواصوا بالحق والصبر وابغوا

في العفاف  الغنى على كل حال

وامروا بالمعروف وانهوا عن المنـ

ـــكر واسموا للمكرمات العوالي[47]

وقوله في وصية ابنه أحمد:

                                                                             {متقارب}

ولا تصحبن سوى ماجد

يزينك في الغيب والحاضر

وينهى عن البغي أما بغوا

وينأى عن المفحش الفاجر[48]

3 – التوجه والإرشاد:

لترسيخ القيم السالف ذكرها بث الشاعر في حنايا نصوصه جما من التوجيهات والإرشاد والحكم تمثل معالم منهج إصلاحي واضح. وساق تلك التوجيهات بأساليب مختلفة وصور متنوعة من مباشر وضمني وفردي وجماعي وركز فيها على الالتزام الديني بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، نقف فيما يلي عند أمثلة منها:

أ‌-       قصيدته الرائية التي أوصى فيها ابنه أحمد شينان فحضه على الأخلاق الحسنة والمثل الإسلامية كالصبر والكرم وحسن الخلق، وحذره من الحسد والحقد وذميم الأخلاق وفيها يقول:

                                                                                    {متقارب}

أأحمد صبرا على ما ينوب

فإن الإله مع الصابر

فلا تبخلن ولا تغتبن

ولا تغدرن أف للغادر

ولا تحقدن ولا تحسدن

فما الحقد من شيم الفاخر

وليس يسود لعمري الحسود

جرى ذاك في المثل السائر

وخالق بلطف جميع الورى

ومنهم أقل عثرة العاثر

وصل قاطعا واعف عن ظالم

وواس بني العم في النائر

ولا تطعمن سوى مطعم

كمطعم عنترة الفاخر

وإياك والأمر تبغي له

معاذير من لك بالعاذر[49]

ب‌-  الميمية: التي عارض بها حميد بن ثور الهلالي العامري {ت نحو 30هـ} فقد خصص منها لهذا الغرض تسعة عشر بيتا دعا خلالها إلى نخبة من الخلال الحميدة من صبر ونجدة وحلم ومجد ... محذرا من أضدادها ورواح في ذلك بين النفي والإثبات والحصر والأمر والنهي لتأكيد المعاني وتوضيحها وانطلق فيها من التذكير بحتمية الفناء استجماعا لذهن السامع وإشعارا بأهمية الأمر:

                                                                                                      {طويل}

أرانا لصرف الدهر صرعين مقعصا

فمصمى ومنمى إن تخطاه أهرما[50]

وعرض تلك المعاني من خلال ثنائيات تقابلية استخدم فيها كثيرا من الطباق والمقابلة:

                                                                                    {طويل}

وما مات من أبقى ثناء مخلد

وما عاش من قد عاش عيشا مذمما

وما المجد إلا الصبر في كل موطن

وأن تجشم الهول العظيم تكرما

وليس الغنى إلى اعتزاز قناعة

تجل أخاها أن يذل ويشتما

وما الفقر إلا أن يرى المرء ضارعا

لنكبة دهر قد ألم فيقحما

وخير الرجال المجتدى سيب كفه

وأجرؤهم عند الكريهة مقدما[51]

وقد استطرد تلك الثنائيات لتنمية فكرة الحياة الكريمة القائمة على القيم الدينية المثلى فكلها تصب في تلك الفكرة وتوضحها. وقد صدرت بجمل اسمية خبرية دلالة على عموم الفكرة وتجريدها عن القيود الزمنية. وبعد أن توطدت تلك المعاني ورسخت تحول إلى الأسلوب الإنشائي لتبدو المقصيدية بشكل واضح مباشر: افعل ولا تفعل:

تجنب صحاب السوء ما عشت إنهم

لكالجرب يعدين الصحيح المسلما

وراع حدود الله لا تتعدها

وصغر وعظم ما أهان وعظما

وراع حقوق الضيف والجار إنه

لعمرك أوصى أن يبر ويكرما

وأن جهل الجهال فاحلم وربما

يكون عليك العار أن تتحلما

وبالحسن ادفع سيئا فإذا الذي

يعاديك كالمولى الأحم وأرحما

ولا تقربن الظلم والبغي واطرح

فغبهما قد كان أردى وأشأما[52]

إن تلك الأوامر والنواهي شاملة لمجمل القيم المذكورة آنفا من إقامة للدين ورعي لحقوق الآخرة واختبار الصحبة الحسنة. ثم يعاود بعد ذلك الأسلوب الخبري لتقرير القواعد الخلقية العامة:

وما البر والعدل والتقى

وما الشؤم إلا أن تخون وتأثما[53]

وقد ختم بالمقطع معارضته منبها إلى سمو هدفه ونبله مقارنة مع هدف المعارض ولعل تلك من الوسائل التي أعدها للتفوق على منافسه في الجنة حسبما تمنى[54].

ج- اللامية التي عارض بها الأعشى ميمون من قيس {ت نحو 7هـ}

خصص ثلاثة عشر بيتا من هذه القصيدة للإرشاد والنصح وصاغها على غرار ما تقدم في الميمية عبر مقصدية مباشرة وثنائيات تقابلية فدعا قومه إلى اكتساب المعالى فحضهم على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

                                                                                  {خفيف}

آل يعقوب شمروا للمعالى

واتعدوا لما تجيء الليالي

وأعدوا لكل خطب جليل

عده من عزازة ونوالي

وتواصوا بالحق والصبر وابغوا

في العفاف الغنى على كل حال

وامروا بالمعروف وانهوا عن المنــــ

ـــكر واسموا للمكرمات العوالى

والهوينى دعوا وللمجد فاسعوا

وصعاب العلا بصعب الفعال

ولزموا الحلم والأناة وخلوا

نزعات الشيطان شر الخلالي

واتقوا الشح والضراعة والفكـــــــ

ــة والهاع؛ شيمة الأنذال[55]

وقد ساق بعد ذلك الأبيات المتقدمة في العقيدة ثم عاود الحكمة والتوجيه:

                                                                              {خفيف}

أرى الدهر ليس يبقى على حا

ل فلا تجزعن من سوء حال

لا ولا تفرحن إن كنت يوما

في سرور ونعمة واحتفال

كم حظيظ بلأمس كان مقلا

ومقل من بعد ثروة مال[56]

 فجاء بتلك المعاني في شكل خواتم لحلقات فخرية مما يوحي بأنها معاني الفخر الحقيقي التي الاتصاف بها والدعوة إليها والتمدح بها.

ثم إن معاودة الحلقات بشكل منفصل عبر النص توحي بأنها مرجعية تثنى لتكثيف المقصيدية من مستويات النص عموما.

بلك أبرز الحلقات الدالة في هذا المنحى وقد تكررت معانيها عبر كثير من النصوص الأخرى فلعل استقراء متأنيا يظهر أنها الموضوع المحوري في كل الأغراض.

4-    المديح النبوي وهو غرض إسلامي بارز تبارى فيه الشعراء واشتهر به جمع منهم فعرضوا شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه ومعجزاته وعبروا عن حبه وموالاته واتباعه إذ هو القدوة والأسوة الحسنة. وقد طرق محمد هذا الغرض في قصيدته الهمزية التي مطلعها

                                                                         {خفيف}

أقفرت من أنيسها البطحاء

فاللوى فالذنوب فالحواء[57]

 

والقافية التي مطلعها:

                                                                                                  {بسيط}

بات المتيم مما شفه أرقا

يا بعد منزل من أمسى به اعتلقا[58]

 

وقد انتخب محمد بعض مواضيع خطاطة المديح التقليدي فركز على جانب المغازي وتحدث عنها وأشاد بجهاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وساق نماذج على جوده وشجاعته.

وقد ركز في الهمزية على معنى طريف هام لم نعهده في المدحة النبوية ألا وهو تأصيل المدحة. فصرح أن ثناء الله تعالى على نبيه هو باعث الثناء عليه، ثم استطرد بعض المدائح والقصائد التي خاطب بها بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في مناسبات فاستمع لهم وأجابهم وأجازهم مثل حسان بن ثابت وكعب بن زهير، وزهير بن صرد، وبن الزبعرا، وضرار بن الخطاب، وعمرو بن سالم.وساق تلك الأدلة والأخبار مدرجة في وشائجها من السير والمغازي سوقا حسنا ينبئ عن خبرة عالية بهذا الفن:

                                                                 {الخفيف}

بم أثني عليك لولا ثناء الــ

ـله؟ إن الثناء منه اصطفاء

بل هو الباعث الجد عليه

ولكم فيه أحسن البلغاء

مثل حسان والفتى بن زهير

وزهير غداة بالسبي فاءوا

بسبايا عقائل من نوصي الــ

ــقوم سيقت إليه وهي إماء

يوم جاءوا تحثهم جبروت

بجنين لحينهم وانتخاء[59]

 

وفي القافية تعته بجميل النعوت من كرم وشجاعة:

                                                                     {بسيط}

غيث إذا أخلف النوءان شائمها

سقى الورى من يديه صيبا غدقا

ليث أذا أذأب الليث الهزبر وقد

مج البوادر من خيل الوغى العلقا

ثم خصص ثلث القصيدة الأخيرة لجهاده صلى الله عليه وسلم ومغازيه:

محمد سيد البادي وحاضره

مولى العدى فرقا مبدي الهدى فلقا

قاد القنابل من سلع يحثحثها

نصر من الله والوعد الذي سبقا[60]

ولعله ركز على ذلك الجانب في إطار اهتمامه الإصلاحي فكأنه أراد ربط الأمة بهذا الباب العظيم الذي دعا له صراحة كما سيأتي. كما أراد تذكير المجتمع بالقدوة المثلى والأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

4. الإصلاح الاجتماعي:

ونعني به المساعي الحميدة التي يقوم بها الساعون في مجال حماية الدين وإصلاح ذات البين بين القبائل والمجموعات ورأب الصدع وتشجيع أصحاب التضحية وقد عرف ابن الطلبة باهتمامه بهذا المجال" فتصدر القيمين على شؤون المجتمع يصدع برأيه يصيرا للإنصاف داعيا إلى الإصلاح دائبا على البذل لقضاء حاجات القوم"[61] ويتجلى ذلك في نصوص يذكر منها على سبيل المثال:

رسالة إلى الأمير محمد الحبيب يحثه على حماية المسلمين:

                                                                          {وافر}

ألا بلغ محمدنا الحبيبا

سلاما مثل يفح الطيب طيبا

{...}فلا تضع السلاح فإن فيه

لأهل الدين عندكم نصيبا[62]

وترد في هذا السياق أيضا كلمة مدح بها بارك الله بعد تسوية لنزاع حاد في القبيلة:

                                                                          {طويل}

رأى ما رأى بيننا من ثأى

إذا ريم بالرقع لم يرقع

فقام ولم يستشر غره

لرأب الثأى المفظع المضلع

فطاوع نفسا له سمحة

وإن لج ذو العذل لم تسمع[63]

وقد كتب إلى أحد أعيان قبيلة انتابه يستقدمه إلى قومه بطلب منهم سعيا إلى رأب الصدع ولم الشمل:

                                                                               {بسيط}

إلى الفقيه ابن عوف من أحبته

ومن عشيرته أسنى التحيات

فارجع إليهم وإلا فلتدع لهم

نجل ابن دادان حمال الجليلات

لقد تبرأ ممن لا يهم بما

لاقت عشيرته خير البريات[64]

 كما نوه بالمكارم وأشاد بحوادث البذل الكرم المتميزة سنة محمودة يتنافس فيها الناس:

                                                                       {طويل}

أباني حديث ابن الأديب ودونه

من الأرض غور لا تخاض سباسبه

كأن به الركب الحسير مطيهم

بخاتم طي قد أنيخت ركائبه

أناخوا به مسيا فأضحى ركابهم

وزادهم عند المسير حلائبه[65]

 

 

ب – المحور الجهادي:

بعد تهذيب المجتمع وإعداده خلقيا وعلميا وتوعيته بمخاطر الفساد بدأ بالدعوة إلى الجهاد لنصر الدين وإقامته، فهو ينعى على مجتمعه تخاذلهم وتوانيهم عن النصر الدين مبشرا ومنذرا مستعطفا ومعنفا ومذكرا

                                                                                             {طويل}

ألا يا لأنصار الإله لدينه

إلام التواني منكم والتخاذل؟

وإنكم إن تنصروه نصرتم 

لعمري فلا عجز ولا هو خاذل[66]

فللجهاد مكانة مركزية، فهو أبرز وسائل الإصلاح وأفضل الأعمال، ذروة سنام الدين، وهو فرض ماض إلى قيام الساعة، مصدره عزة المسلمين، رتب الله عليه جزيل الثواب، يقول سيدي محمد بن الشيخ سيديا:

فإحدى الحسنيين لكم أعدت

حمالة قادر حاز اليسارا

وقد رسم ابن الطلبة صورة واضحة مفصلة لمقتضيات الجهاد فحص عليه عبر صور وأساليب متنوعة تؤكد على ضرورة إعداد القوة بشقها المعنوي والمادي واستخدامها لحماية الدين ونصره وإصلاح أوضاع المجتمع؛ ولا يكون ذلك ببكاء العاجز الأعزل الضعيف؛ بل بالقوة الإيمانية والقوة العسكرية:

                                                                                   {طويل}

ولا تعولوه بالدموع فإنه

بذلك تستشفي النساء الثواكل

وكل فتى صعب الكريهة ماجد

مجد محق ليس يثنيه باطل

بأيديهم مأثورة أندرية

فرنسية للمعتدين غوائل

ولم يحم دينا مستباحا حريمه

من المعتدي إلا القنا والقنابل[67]

1 - القوة المعنوية:

ركز عليها الشاعر وبين أسبابها وعمل على بعثها إذ هي الأساس في الإسلام وهي مصدر النصر وأهم أسباب هذه القوة: الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه والتوجه الصادق إليه واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فبذلك يحصل الثبات والصبر ثم النصر أو الشهادة. كما أن سمو الأهداف مثل نصر الدين وإعلاء كلمة الله من أهم الحوافز المعنوية.

كل تلك عوامل قوة غيرها تبع لها. وقد عمل على تحقيق تلك القوة ببعث الروح الإيمانية ورفع المعنويات واستنهاض الهمم من خلال:

-         الترغيب في ما عند الله تعالى والتذكير بالوعد والوعيد كقوله:

                                                                       {طويل}

وإنكم إن تنصروه نصرتم

لعمري فلا عجز ولا هو خاذل

 

وقوله:

فقلت لهم لا تامنوا مكر ربكم

فليس عليه بالأماني كافل[68]

-         بيان واقع الابتلاء من خلال الحديث:

لخبرنا الهادي المهيمن أنه

سيدرك هذا الدين غي وباطل

وأن سيعود الدين غربا كما بدا

وأمر بقايا الناس للكفر وائل[69]

فما فيه مصداق ما أخبر به الصادق المصدوق

 

-الحجاج المنطقي الشرعي:

فهذا وما ذا قد عملتم فشمروا

ولا تدفع الرجس الأماني الأباطل

 

وقوله:

هبوا أنكم جادلتم اليوم عنهم

فمن عنهم يوم الحساب يجادل

-         مدح الإقدام وذم الجبن:

وليس الفرار للجبان بمخلد

ألا كل ذي نفس به الموت نازل

نحشون حومات الوغى بنفسهم

إذا هابها الثبت المحش المباسل [70]

-         التذكير بنماذج بطولية من التراث الإسلامي:

فهلا تمسكتم بما قال خالد

ففي قوله وعظ لمن هو عاقل

وهلا بقول الحارثي ائتسيتم

غداة تخطاه العداة المباسل

فلم ندر إن جضنا من جيضة

كم العمر باق والمدى متطاول[71]

التهوين من شأن العدو وتبسيط مواجهته:

تخطف أبصار العدا وقلوبهم

كما رعدت دهم السحاب الحوافل[72]

2.     القوة المادية العسكرية:

أ‌-       العنصر البشري

ركز في العنصر البشري على جملة مواصفات هامة منها: الفتوة، وفتيان صدق، وكل فتى.. وهي تحيل إلى معنيين هامين أولهما فترة الشباب، وهو مظنة القوة والنشاط والاندفاع. وثانيهما معنى السيادة وكمال الخصال. وأكد ذلك المعنى بنعوت مميزة: فتيان صدق، صعب الكريهة، ماجد، مجد، محق:

وكل فتى صعب الكريهة ماجد

مجد محق ليس يثنيه باطل

يحشون حومات الوغى بنفوسهم

إذا هابها الثبت المحش المباسل[73]

ب‌-  عنصر السلاح: ذكر فيه الرماح والمدافع فزاوج بين النمطين التقليدي والحديث فالرماح والقنى ذات مدلول إيحائي تراثي يدل على الحسم في المعركة، أما المدافع فهي سلاح ناري حديث فعال وقد شبه نارها بياضها وكيفية إطلاقها بامتراء الأخلاف:

بأيديهم بيض تلوح كأنها

مصابيح أذكاها مع الليل شاعل

إذا ما امتروا أخلافها كان درها

صواعق فيها أنؤر وزلازل

تخطف أبصار العدا وقلوبهم

كما رعدت دهم السحاب الحوافل[74]

فهي للمجاهد مصابيح تنير الظلمة وغذاء روحي يروي الظمأ وثي للمجاهد {بفتح الهاء} صواعق تخطف الأبصار والقلوب.

 

ج- عنصر الخيل: وهو عنصر ذو دلالة هامة فقد رغب الوحي في ربطها في سبيل الله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}[75] وتواترت بذلك الأحاديث[76] وهي في التراث الإسلامي جزء هام من السلاح لما لها من أهمية في الإقبال والمواجهة. وعبر بالمذاكي ولها دلالات القدرة على الصبر والاستمرار إلى جانب القوة كما عبر بالقنابل وهي جماعات الخيل المتآزرة.

فقد عمل محمد على إذكاء الروح المعنوية وإيقاظ العواطف الإيمانية بمختلف الوسائل ثم تخير عناصر القوة المادية بمواصفات دقيقة موجزة وربطها بالواقع حاضا على الجهاد محرضا على تجديد الدين ونصره وحمايته فبذلك حياة المسلم وعزه في الدنيا والآخرة.

-         مميزات الخطاب:

تميز الخطاب الإصلاحي بجملة من الفنيات وتوسل بها الشاعر إلى إبلاغ خطابه وأبانت عن غزارة معارفه الأدبية واللغوية وخبرته المتميزة في صناعة الشعر فرغم المعارف المشاغل الفقهية الجمة حافظ محمد على مستوى فني متميز أهله ليكون من أبرز رواد النهضة الأدبية، فقد وازن بين مقتضيات الخطابين الديني الإصلاحي، والشعري البحت، فلم يطغ خيال الشعر وألوانه على المبادئ والأهداف السامية للشاعر ولم يحدب الفقيه إبداع الشاعر المحترف فكان لذلك كما نعته الشيخ محمد سام بن عبد الودود:"عالم الأدباء وأديب العلماء"[77] وفيما يلي نشير بإيجاز إلى أهم تلك الآليات استكمالا لصورة الخطاب.

-         التركيب البلاغي:

غلب الأسلوب الإنشائي الملائم للتوجيه والتأثير وتخللته أساليب خبرية سيقت من خلالها معاني الحكم لتقرير المبادئ والقواعد العامة كما كثرت البنيات التقابلية في شكل طباق ومقابلات كما مر في التوجيه آنفا، كما شاع الحجاج المنطقي واقتباس النصوص للإثراء والتنويع

-         التركيب النحوي:

تميز بثنائية النفي والإثبات وظاهرة الحصر وتوازي الجمل، أما المخاطب فكان غالبا جمعيا عاما أو مفردا غائبا في معنى العموم.

-         المعجم الديني:

درج بعض الدارسين على وصف ابن الطلبة باستخدام معجم جاهلي، لكن استقراء النص يظهر حضور المعجم الديني بشكل مكثف، فمفردات الصلاة والجهاد والأخلاق وغيرها وردت بصورة قصدية مستفيضة. ثم إن ثمة تشابه وتداخلا بين معجمي الجاهلية وصدر الإسلام في كثير من السجلات الدلالية.

-         البناء: تنوع البناء من يص كامل حلقة إلى معنى وكان لهدف النص ارتباط وثيق بنهايته غالبا.

-         حوار النصوص:

جعل ابن الطلبه من النصوص التي عارضها أطرا فنية تقليدية سعى إلى غير ما سعت له، ونافسها في التفنن الأدبي فكأنه يستخدم القوالب المألوفة لتمرير خطابه وإظهار براعته في آن معا. أما النص الديني فقد جعل منه نصا مركزيا، حاوره لتعضيد مقصديته. وقد استخدم نصوصا فرعية مثل الشعر والأمثال كما تقدم.

-         مرجعية النص الشعري في الديوان:

يمثل الخطاب الأدبي رسالة تصدر عن خلفية فكرية معينة، وتسعى لمخاطبة متلق والتأثير عليه وتمثل تلك الخلفية الإطار المعرفي الذي يشكل ثقافة المنتج.

وقد تجاوزت المناهج النقدية الحديثة المتعلقة بإنتاج النص عدة مفاهيم مثل التأثر والمعارضة والأخذ والإبداع والاتباع وأدمجتهما في مفهوم عام هو التناص الذي يعني بالأساس "تعالق نصوص مع نص حديث بكيفيات مختلفة" [78] واعتبر أصحاب المفهوم أنه "لا مناص منه لأنه لا فكاك للإنسان من شروطه الزمانية والمكانية ومحتوياتها ومن تاريخه الشخصي أي من ذاكرته"[79] لكن الأدباء يختلفون حسب القدرة على التميز والتفرد لخلق سنن خاص يخضع حتما لظاهرة التناص التي تسعى إلى "خلق مرجع ثابت"[80]وهو ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط والتقنين إذ يعتمد في تمييزها على ثقافة المتلقي[81] وقد أصبح مبحثا نقديا معروفا له ضوابط وآليات مبسوطة في الدراسات النقدية لا نطيل بها إنما أردنا الإشارة إلى أن دراسة مرجعية النص أصبحت جزءا أساسا في قراءته لذلك تناولناه.

وقد تميز ابن الطلبه بكونه أحد رواد النهضة الأدبية في القرن الثالث عشر الهجري إلى جانب كونه من العلماء المعدودين كما مر، فهو لذلك شاعر مجيد يصدر عن ثقافة عالمه. تمثل علوم المحضرة السالف ذكرها "فلقد درس الفقه أصولا وفروعا واللغة والأدب والمنطق والتاريخ والأنساب دراسة تعمق وتدقيق وبحث ومقارنة واستنتاج وتقويم، تدل على ذلك الحواشي والشروح والتعليقات التي تركها على هوامش مجموعة من المتون"[82] وقد أطرت الذاكرة التراثية الشرعية نصوصه فكأن للخطاب الديني حضور متميز مركزي في الديوان. ولا غرابة في ذلك فإن قراءة سريعة للديون تظهر أن النص المركزي الدي حاوره الشاعر هو النص الديني ممثلا في الكتاب والسنة، ولعل في الملاحظات التالية دليلا لما ذهبنا إليه:

-         فقد أحال إلى أكثر من 50 آية أحيل إلى جلها بشكل محدد باقتباس اللفظ كقوله:

وإنكم إن تنصروه نصرتم

لعمري فلا عجز ولا هو خاذل[83]

 

إشارة إلى قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.[84]

وقوله:{ولينصرن الله من ينصره}[85] وبالإشارة الدلالية أحيانا:

                                                                            {بسيط}

أثني عليك بأن الله خالقنا

أثنى عليك، فماذا قول من خلقا[86]

إشارة إلى قوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم"[87] بنما أحيل إلى بعضها بصورة مجملة مثل قوله:

{طويل}

وأما تكاليف الرجال التي أتت

من الله آيات بهن نوازل[88]

 

وقوله:

{كامل}

لما أتاني أن مية دونها

حالت زواجر في الكتاب المحكم[89]

-         أما السنة الشريفة: فقد فقد أحيل إليها في مستويات مختلفة فذكر في الديوان حوالي 25 من الأحاديث والأخبار، أحيل إليها بطرق متنوعة:

-أحاديث محددة أشير إليها باللفظ كقوله:

                                                                        {طويل}

لخبرنا الهادي المهيمن أنه

سيدرك هذا الدين غي وباطل

وأنا سنقلى بعده سنن الردى

كما سن من قبل القرون الأوائل

أن سيعود الدين غربا كما بدا

وأمر بقايا الناس للكفر وائل[90]

 

-         أخبار المغازي والسير كما يتضح من القصص المستنبطة التي أشير إليها في موضوع المدحة آنفا. وقد حض على اتباع السنة إجمالا والتمسك بها ويصرها كقوله:

                                                                 {بسيط}

أبلغ بني عامر جهر مغلغلة

أني عدو لمن عادى ذوي السنن

إني لهم ناصر والله ينصرنا

وليست ممن يعاديهم وليس مني[91]

وقد وظف تلك النصوص للاستدلال والإقناع والتوجيه بالإضافة إلى الأغراض الأدبية والبلاغية المعروفة.

أما الشعر فقد كان نصا فرعيا لا نظن أن الشاعر سعى إلى حواره بصورة جوهرية بل وردت إشارات عرضية، فباستثناء النصوص المعارضة التي نظن أن الشاعر اتخذها إطارا لمقصدية مغايرة كما مر وردت الإشارة إلى حوالي 15بيتا في الديوان. بالإشارة إلى النص حينا وباقتباس اللفظ أحيانا كما في قوله:

                                                                                   {خفيف}

لو تسمعت إذ تردد وهنا

كيف ترقى رقيك الأنبياء[92]

وقوله:

                                                                                    {طويل}

منازل قد كان السرور محالفي

بها هي عندي بين سلمى ومنعج[93]

 

ولعل تحديد المرجعية على هذا النحو يؤكد محورية الخطاب الديني وتجذره في الديوان من خلال اعتماده نصا مركزيا يحاوره الشاعر لتعضيد مقصديته وتوضيحها ويصدر عن عبابه الجموم في رسم عناصره الشعرية المختلفة.

 

الخلاصة:

وبعد فقد كان محمد أحد مؤسسي حركة الإصلاح التي جاءت وسط القرن الثالث عشر استجابة لمقتضيات محلية ملحة تصدرتها الحاجة إلى قيام سلطة مركزية تضمن الانتظام الخلقي والانسجام الاجتماعي. فقامت دعوته على قاعدة دينية ثابتة، لحمتها الدعوة إلى الله تعالى لتجديد الدين وسداها الامتياح من نصوص الوحي الصادق، وذلك لوعيه بأن الدعوة إلى الله تعالى ونشر كلمة الإسلام ورفع رايته وتحكيم حدوده والتأدب بآدابه تمثل المنهج الإصلاحي الوحيد والمنفذ الصحيح للبشرية من شرور الدنيا والآخرة.

فنسج نصوصه الشعرية في إطار أدب إسلامي ملتزم فجاء خطابا يحمل كثير من سمات الأصالة والتميز في آن معا، بث ضمنة دعوة إصلاحية تدرجت من الإعداد والتأهيل المعرفي والخلقي إلى الإنجاز العلمي فانتشرت في نصوصه الحكم والمواعظ والتوجيهات وتمييز خطابه بالشمول فتجاوز التقسيم الفئوي الاجتماعي فنطلق من نصح قومه خاصة ثم خاطب كل أنصار الإسلام. وتجلت جديته في الدعوة وقناعته بها من خلال اتصاله بالعلماء لهذا الشأن وإصراره على النصح وصراحته في يقد الواقع وارتباطه بالدليل الشرعي.

 فعمل على إسماع خطابه في دوائر النخبة المثقفة واستجاب له كثير من العلماء الذين يمثلون مراكز استقطاب معرفي ونفوذ روحي وعكست مراسلاتهم الشعرية إلحاح تلك الأفكار وأهميتها.

ولئن ظل خطاب الجماعة محصور في مستوى نخبوي نظري فقد تجاوز مراحل هامة في بلورة منهج إصلاحي إسلامي واضح المعالم، بالإضافة إلى إقناع المجتمع بهذا المنهج الرباني المذكور وتوعيتهم بضرورة العمل على تحقيقه واتباعه. ثم كان ذلك اللبنة الأساسية التي استمرت على أساسها الدعوة الإصلاحية في القرن الموالي مع مجيء الاستعمار الفرنسي، فنادى بها ماء العينين بن العتيق{ت نحو 1337هـ} ومحمد بن العاقب بن ما يابى {ت نحو 1325هـ} وغيرهما[94]  في خطاب شعري مماثل. ثم وجدت دعوة الإصلاح تطبيقها العملي في جهاد المستعمر الفرنسي من طرف مجموعة من العلماء والأمراء في مختلف نواحي البلاد مثل ما قام به الشيخ ماء العينين {ت1328هـ} وسيد أحمد ولد عيده {1932م} في الشمال وبكار بن اسويد أحمد {ت1905م} في الشرق وأحمد ولد الديد{ت1941م} وقبلهم محمد الحبيب {ت 1860م} في الجنوب.

وبذلك ظل صوت الشاعر المصلح نديا مسموعا ودعوته حية مستمرة:

                                                              {طويل}

ألا يا لأنصار الإله لدينه                إلام التواني منكم والتخاذل

وإنكم إن تنصروه يكن لكم              نصيرا ألا نعم النصير المجادل

وإنكم إن تنصروه نصرتم               لعمري فلا عجز ولا هو خادل[95]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

المراجع:

ابن الحسن {أحمد جمال}، الشعر الشنقيطي في القرن 13هـ مساهمة في وصف الأساليب، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، 1995

ابن الحسن، {أحمد جمال}، "مظاهر الوعي القومي عند مثقفي بلاد شنقيط "، المستقبل العربي، العدد72، 1985

ابن عبد الودود {محمد سالم} التسهيل والتكميل بشرح مختصر الشيخ خليل، {تحت الطباعة من لدن دار الرضوان لصاحبها أحمد سالك بن محمد الأمين بن أبوه}

البخاري {محمد بن إسماعيل} الجامع الصحيح،

بن حمدى {أحمد}، مختارات من الشعر الإسلامي الموريتاني قبل الاستقلال، دار الضياء الدراسات والنشر، ط. 1، 1998 والشر ط1 1998

 الشنقيطي {أحمد ابن الأمين}، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، تحقيق والد ماء العينين، رسالة لنيل شهادة الدراسات العليا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، 1995{بحث غير منشور}

الشيخ محمد المامي {ابن البخاري}: كتاب البادية مخطوط

المرتجى {أنور}سيميائية النص الأدبي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1987

مسلم بن الحجاج صحيح مسلم،.

مفتاح {محمد}، تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص، المركزي الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 1986

 


[1]  أنور المرتجي، سييمسائية النص الأدبي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء1987، ص:51

[2] محمد مفتاح، "التحليل السيمائي أبعاده وأدواته" دراسات أدبية لسانية العدد 1ص 14

[3] الشيخ محمد المامي، كتاب البادية، مخطوط

[4]  المختار ولد أحمد، الشعر السياسي الإصلاحي الموريتاني في القرن 13 الهجري، بحث لنيل الإجازة في الآداب العربية، المدرسة العليا للتعليم، السنة 1983، ص 5{مرقون}

[5] أحمد ابن الأمين، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط تحقيق محمد ولد ماء العينين، رسالة لنيل شهادة الدراسات العليا، في الآداب العربية، جمعة محمد الخامس {بحث مرقون}

[6]  المختار بن أحمدـ م.م.، ص:14

[7]   أحمد الأمين، م . م .، ص:15.

[8]   أحمد ولد الحسن؛ الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر الهجري، مساهمة في وصف الأساليب، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية 1995، ص .115

[9] المصدر السابق؛ ص:107

[10] محمد المختار ولد اباه

[11]   أحمدو بن الحسن، مظاهر الوعي القوم عند مثقفي بلاد شنقيط، المستقبل العربي العدد 72- 1985، ص.115

[12]  الديوان النص 13. البيت 13

[13]  أحمد بن الأمين الشنقيطي، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط دار الخانجي، القاهرة، 1989، ط.4، ص ص 256.257.

[14] أحمد بن الأمين، م .م،، ص 18.

[15] أحمد ولد الحسن، الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر الهجري، م. م .، ص .107

[16]  مثل عمدة الأديب لادييج الكمليلي {مخطوط }وشرح المربي على صلاة ربي لليدالي {مخطوط} وبعض قصائد ابن الشيخ سيديا وغيرها

[18]  المختار بن أحمد، م.م.، ص 49

[19] الديوان ، النص 59، البيتان 40- 41

[20]  الديوان، النص22، البيتان19 - 20

[21] الديوان، النص 58، البيتان 38- 39

[22]   الديوان، النص 27، البيتان 17- 18

[23]  الديوان، النص 43، البيتان 14 - 15

[24] الديوان النص 77، الأبيات 1- 4،6

[25]  الديوان، النص 46، البيت 19

[26]  الديوان النص 78، البيت 13

[27] أحمد بن الأمين، م. م، ص. 39

[28] الديوان، النص 59،  

[29]  الديوان، النص 59، البيتان 31- 32

[30]   الديوان، النص 19، الأبيات 19- 23

[31]   أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية، ط1، 1990 بيروت، ج4، ص352

[32]  الديوان، النص59، الأبيات 24- 26

[33]  الذاريات الآية 56، 57

[34] مثل كتاب الرقاق من صحيح البخاري وغيره

[35] الديوان، النص 59الأبيات 27- 29

[36]   الديوان، النص 59، البيتان 8- 9

[37]   الديوان النص 59 البيت 30

[38]   ديوان محمد بن الطلبة اليعقوبي الشنقيطي، شرح وتحقيق محمد عبد الله بن الشبيه بن ابوه، تقديم محمد بباه بن محمد ناصر، مراجعة محمد سالم بن عبد الودود، الناشر أحمد سالك بن محمد الأمين بن ابوه، مكتبة النجاح الجديدة،1999، ص15

[39]  الديوان النص60، البيتان61- 62

[40]   الديوان، النص 81، البيتان 3 - 4

[41]  الديوان، النص 40، البيتان 44 - 45

[42]   انظر القصيدة في ديوان محمد بن الطلبه ص 17 - 19

[43]  آل عمران الآية 110

[44]   آل عمران الآية 104

[45]  سورة التوبة 66- 72

[46]  مسلم، م. م.، من {حديث أبي سعيد الخدري}،. مجلد1، ج2، ص.22

[47]   الديوان، النص 60، البيتان 28- 29

[48]   الديوان النص 60، البيتان 28- 29

[49]   الديوان، النص 35، الأبيات 1، 4 – 9، 15

[50] الديوان، النص 69 البيت 78

[51]  الديوان، النص 69، الأبيات 79- 80- 88

[52] الديوان النص 69، الأبيات 90-95

[53] الديوان، النص69 ، البيت 96

[54] أحمد بن الأمين م . م .، ص 198

[55]  الديوان النص60، الأبيات 26- 32

[56] الديوان، النص60، الابيات 91- 93

[57]   الديوان، النص 1، البيت 1،

[58] الديوان، النص 46، البيت 1

[59]  الديوان، النص 1، الأبيات 32- 36

[60]   الديوان، النص 46، الأبيات 21- 22، 47 -48

[61]   ديوان محمد بن الطلبة، {المقدمة}، ص .24

[62]   الديوان،  النص5، البيتان 1، 5

[63]   الديوان،  النص43، البيتان 5- 7

[64]  الديوان،  النص 15، الأبيات 1-3

[65]  الديوان، النص14، الأبيات 1 - 3

[66]   الديوان، النص 59، البيتان 43، 45

[67]   الديوان، النص59، الأبيات 33، 35 – 36، 40

[68]   الديوان، النص 59، البيتان 45، 51

[69] الديوان، النص 59، البيتان 52، 54

[70]   الديوان، النص59، البيتان 30، 11

[71]  الديوان النص 59، الأبيات 15- 17

[72] الديوان، النص 59، البيت 39

[73]  الديوان، النص 59، البيتان 35، 42

[74]   الديوان، النص59، الأبيات 37 – 39

 

[75]  الأنفال، 61

[76] كما في كتاب الجهاد من صحيح البخاري ومسلم

[77]  محمد سالم بن عبد الودود، كتاب الشيخ خليل بن أحمد، مخطوط، المقدمة، ص.1

[78]   محمد مفتاح تحليل الخطاب الشعري؛ استراتيجية التناص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 1986، ص. 121

[79]  المرجع السابق ص 123

[80]  المرجع السابق ص 131

[81]  أنور المرتجي، م.م .، ص. 47

[82]   ديوان محمدبن الطلبة، المقدمة، ص17

[83]   أحمد بن الحسن، الشعر الشنقيطي، م. م.، ص

[84] سورة محمد الآية 7

[85]   سورة الحج الآية 40

[86] الديوان، النص 46، البيت30

[87]القلم الآية 4

[88] الديوان ، النص 59، البيت 24

[89] الديوان النص 72، البيت 2

[91]   الديوان النص 81، البيتان 3،4

[92]   الديوان، النص 81، البيتان 3،4

[93]   الديوان، النص 17، البيت 36

[94]  عبد الله بن أحمد بن حمدي، مختارات من الشعر الإسلامي الموريتاني قبل الاستقلال، دار الضياء للدراسات والنشر ط.1،1998، ص.154

[95] الديوان النص 59، الأبيات 43- 45

القائمة

من أدب ابن الطلبة الحساني المزيد

من غزل ابن الطلبة  المزيد

محمد بن الطلبة المولد والنشأة  المزيد

المعجم الشنقيطي العربي المزيد

شعر محمد بن الطلبة المزيد

محمد بن الطلبة المولد والنشأة  المزيد

التعاون المغاربي يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع مؤسسات المغرب العربي بما في ذلك الموروث الثقافي البربري العربي 

المعجم الشنقيطي العربي المزيد

التعاون العربي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات العربية المحلية والدولية   المزيد

التعاون الإفريقي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات الإفريقية النشطة في المجال  المزيد

التعاون الدولي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع الهيئات الدولية المزيد

التعاون المغاربي يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع مؤسسات المغرب العربي بما في ذلك الموروث الثقافي البربري العربي 

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث  مركز محمد بن المزيد

التعاون العربي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات العربية المحلية والدولية   المزيد

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث  مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث مركز محمد بن المزيد

التعاون الإفريقي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات الإفريقية النشطة في المجال  المزيد

التعاون الدولي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع الهيئات الدولية المزيد

 
top Back to top