ISET

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث : مجال اهتمامات المركز ومشاغله البحثية يتجاوز الأشخاص والجهات، مركزا على شتى ألوان الثقافة العربية الإنسانية التي أنتجتها هذه البلاد وما جاورها؛ دون أن نغفل الثقافة الإنسانية العربية والعالمية منها عموما
 اتصل بنا من نحن بحوث مرويات النشاطات الرئيسة

بقلم الشيخ محمد سالم بن محمد علي بن عبد الودود:  

وزير سابقا  ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقا وعضو عدة مجامع وهيئات علمية دولية

 

صاحب الديوان  محمد بن الطلبه اليعقوبي:

 

ليس سهلا على مثلي  أن يتحدث عن مثل محمد بن الطلبه اليعقوبي لأننا لم نتعود الحديث عن أنفسنا ولا آبائنا أوأشياخنا متأسين بمثل محلي يقول:  خبرك. . مركبك. . أي أن الذي  يصدقه الناس من خبرك هو ما يتناقله غيرك.

وفي بدء الحديث عن ابن الطلبه يلح علي بيت المتنبي:

وتسعدني في غمرة بعد غمرة
سـبوح لـها مـنها عليها شواهد

وربما كانت شهرة الرجل تغني عن التعريف به، فقد عرف نفسه بما خلفه من نفيس الفعال ورائق الأقوال و لهذا سيكون حديثنا عنه حديثا شديد الإيجاز.

نسبه:

هو محمد[1] بن محمد الأمين بن محمد [2] { آبه} بن المختار بن موسى {ألفغ موسى أي الفقيه موسى } بن يعقوب بن أبي موسى بن أبي يعلى بن عامر بن أبي عامر بن أبي يعلى[3] بن ابهنضام[4] {هو عامر الأكبر و به يعرف سائر بني يعقوب } بن محمد بن يعقوب بن سام بن عبد الله بن أعمر بن حسان.  ينتهي نسبه إلى علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. و أم علي بن عبد الله بن جعفر هي:  زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأم زينب هذه:  فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم.

وكانت أم ابن الطلبة من بيت علم و مجد مشهور وهي: عائشة بيت أحمد خرشي بن محمد الخراشي بن مسكه بن بارك الله فيه بن أحمد بازيد بن يعقوب بن أبي يعلى بن عامر، وعند أبي يعلى بن عامر - هذا والد أبي موسى جد محمد بن الطلبه ووالد يعقوب جد عائشة- يلتقي نسب والدي محمد بن الطلبه.

و قد تميز اليعقوبيون عن أبناء عمومتهم من المغافرة.  وجل بني حسان بالاهتمام المبكر بالقلم و الكتاب و إلغاء أسلحة الحرب المادية. فإذا كان صالح بن عبد الوهاب المغفري قال مفاخرا بقومه: ". . و نحن سننا توبة للمغافر" أي أن من قومه جماعة هم أقدم من "تاب "من بني مغفر؛ فإن اليعقوبين  فيما نعلم هم أقدم شريحة من المجتمع الحساني آثرت ثقافة القلم والكتاب على منهاج أهل الشوكة والسلاح.

مولده:

الراجح أن تاريخ ميلاد ابن الطلبه كان في آخر العقد التاسع من القرن الثاني عشر للهجرة وتحديدا سنة: 1188هـ. و لعل مولده كان في ناحية تيرس.

دراسته و أشياخه:

يرى المربون أن الفرد يتأثر في تحصيله وحياته بعاملين هما: البيئة والوراثة. وكان من حظ محمد بن الطلبه أن نال من هذين العاملين ما هيأه للتفوق.

 درس ابن الطلبه على جده محمذن  (آبه) بن المختار بن موسى، وعمه حبيب الله، وجده لأمه أحمد خرشي بن محمد الخراشي بن مسكه، وكان الثلاثة من أجلاء ذلك العهد، ولم يثبت أنه انقطع للدراسة على غيرهم.

ولكن من الثابت أنه له علاقات وثيقة مع معظم علماء عصره؛ فصادق بعضهم و حضر مجالس بعض مثل: سيد عبد الله بن الفاضل، والمجيدري بن حبيب الله، والمأمون بن محمذن الصوفي، ومولود بن أحمد الجواد، والبخاري بن الفلالي، وأحمد بن العاقل وابنه محمذن، والنابغة الغلاوي، وحرمة بن عبد الجليل وغيرهم. هذا فضلا عن علاقته الوثيقة مع سيدي محمد الشريف الصعيدي، والشريف محمد بن سيدي محمد، و يؤكد ذلك ما تضمنه الديوان من تقدير لهما و إشادة بعلمهما و صلاحهما.

وتؤكد الروايات أنه حصل كثيرا من علمه عن طريق مطالعته الخاصة، وقد أثر عنه  من ذكاء وهمة وحرص على البحث عن الكتب واقتنائها ما يبرر ذلك؛ فقد جمع مكتبة هائلة حصل عليها بالشراء وبالإعارة وبالاستنساخ، و قد كان جميل الخط؛ لدي ورقات من نظمه لتسهيل ابن مالك بخطه توضح أن خطه - أعني ابن الطلبه - شديد الشبه بخط أبي بكر ابن عاصم الغرناطي ولدي مؤلف له بخطه؛ أي ابن عاصم.

وكان الشناقطة يتحاشون إعارة الكتب خشية ضياعها أو تلفها، من ذلك أن جدي عبد الودود قد كتب على مخطوط من شرح مجموع الأمير في الفقه - و المخطوط بحوزتنا -:

تـمسك بـالكتاب و لا تعره
فـإن إعـارة الـمحبوب عـار

ومحبوبي من الدنيا كتابي
وهـل أبـصرت مـحبوبا يعار

ويذكر أن ابن الطلبه في بحثه الدائب عن الكتب و حرصه على اقتنائها طلب من حرمة بن عبد الجليل العلوي ت1243هـ "تبصرة الحكام في أصول الأقضية والأحكام "لابن فرحون ت799هـ فشق على ابن عبد الجليل أن يفارقه كتابه، ولكن مكانة آبائه لديه جعلته يعيره كتابه الغالي، و ينشئ مشيدا بابن المشايخ- محمد بن الطلبه -:

يا ابن المشايخ و الأشياخ أسلافه
جـزاء مـن يسعف العافين إسعافه

وبلغ ابن الطلبه من التعلق بالكتب و الحرص على اقتنائها أنه كان لا يرضى أن ينزل بحي من قومه لا يوجد فيه القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزبادي، وفي ذلك دعوة لاقتناء الكتب؛ لأن حيا لا ينزل به ابن الطلبه يعتبر إذ ذاك منحط المنزلة. وقد تميز ابن الطلبه بصفات خلقية وخلقية قل أن تجتمع لشخص واحد:  فإلى جانب الذكاء و الكرم كان مديد القامة صبيح الوجه مفخما قوي البنية، ينطبق عليه ما وصف به الشاعر أبا جعفر المنصور:

جـهـيـر الـــرواء جـهـير الـكـلام
جـهـير الـعـطاس جـهـير الـنغم

ويخطو على الأين خطو الظليم
ويـعـلـو الـرجـال بـخـلق عـمـم

ويقول ابن الطلبة:

تـعـارضني قــدم مــروح بـماجد
جميل المحيا من عصاة  اللوائم

وهذا البيت من نص لم يرد في الديوان وربما يعود ذلك إلى أن جامعي الديوان وناشره لم يجدوا من النص المذكور نسخة يمكن الركون إليها.

علمه ومكانته:

كانت لابن الطلبه علاقات وثيقة بأعيان عصره الذين أشادوا بخلاله، ومن أبرز الأعيان الذين عاصرهم: الأمراء الأجلاء: أعمر بن المختار وابنه محمد الحبيب بن أعمر، وسيد أحمد بن عثمان الشهير بابن عيده، ومحمد بن محمد شين وابنه سويد أحمد وابنه بكار وغيرهم، وعاصر كذلك من مشاهير أهل العلم: محمذن فال بن متالي وصالح بن عبد الوهاب والشيخ محمد المامي والنابغة الغلاوي والمختار بن بونه والشيخ محمد فاضل بن محمد عبيدي ومحمد المجيدري بن حب الله وعبد الودود بن عبد الله ومحمد يحظيه بن المختار ومحمد مولود بن أحمد وبابكر بن حجاب ومحنض بابه بن عبيد. هذا فضلا عن أولئك الذين ترجموا له.

ولم يكن لابن الطلبة اليعقوبي نظير في عصره يدانيه تبحرا في علوم اللغة إلا مولود ابن أحمد الجواد، وكان المهتمون بالعلم في غرب البلاد الموريتانية يقولون: ليتنا نجمع خمسة علماء في رجل واحد فيصير قمة لا يدانيها بشر؛ يكون لذلك الرجل المثالي عربية محمد بن الطلبة وفقه الجدود بن أكتوشني ونباهة محمد محمود بن حب الله بن القاضي ومتمات محنض بابه بن عبيد - من منطق وبيان وبديع - وورع محمد بن محمد سالم.

 ولما سمع الشيخ سيديا بن الهيبه - وهو من قمم العلم الشامخة يومها – قال: فاز المجلسي؛ يعني: محمد بن محمد سالم؛  لوصفهم إياه بالورع.    

وتتجلى مكانة ابن الطلبه  اليعقوبي الفقهية في كثير من رسائله وفتاواه التي صاغ بعضها في شعر حساني بديع ذكر فيه من كتب الأصول وكتب المذهب المالكي وخاصة شراح مختصر خليل ما يؤكد علو كعبه في الفقه؛ فقد تناول تلك الكتب بتقييم العالم وتمحيص الخبير بالمسائل وأصولها (مسألة بنت ارشيد و لكور)

وكان كآبائه يباشر مهمات قضائية إذا كلف بها؛ حيث نجد الشيخ محمد المامي بن البخاري يحيل إليه النوازل فيصدر فيها أحكاما ما زال بعضها موجودا بخط ابن الطلبه نفسه[5].

وكان ابن الطلبة شديد الاهتمام بقضايا عصره تشهد بذلك النصوص التي تبرز سعيه الدؤوب إلى النصح والإرشاد والإصلاح الذي غالبا ما كان يأتي صارما بعيدا عن المجاملة.

ويمكن تلمس بعض ملامح صورته من خلال ما ذكره عنه من ترجموا له ممن عاصروه، وقد ذكرنا بعضهم، ومن جاءوا من بعده مثل: أحمد بن الأمين الشنقيطي الذي قال عنه في الوسيط في تراجم أدباء شنقيط: "إنه حسنة من حسنات الدهر، لا تكاد تعيد طبقة من الأعيان إلا ابتدأت به في أولها ". كما قال مثل ذلك محمد فال بن باب العلوي في تكملته.

ذريته:

يتركز عقب محمد بن الطلبه  اليعقوبي في موريتانيا، كما أن له ذرية في المملكة المغربية خاصة في  الرباط والعيون واكليميم وفي السنغال أيضا، وكان بنوه ورثة أبيهم في العلم وخاصة خليفته العتيق؛ فوالدي محمد عالي بن عبد الودود درس عقود الجمان للسيوطي على عبد الله العتيق بن ذي الخلال وعبد الله العتيق أخذ عقود الجمان هذا عن العتيق بن محمد بن الطلبة، وفيه العقب اليوم، كما كان ابنا محمد الآخران: أحمد شينان وأحمد بابه شاعرين ضليعين في علوم اللغة والفقه ولهما بنات فاضلات منهن مريم بنت أحمد بابه (سمية جدتها لأب مريم بنت حب الله) المذكورة في مطلع ميمية ابن الطلبه الطولى: تأوبه طيف الخيال  بمريما... وهي جدة ناشر الديون ومنظم هذه الندوة، وناشر أعمالها أيضا: أحمد سالك بن محمد الأمين بن ابوه.

وكان لابن الطلبه  من زوجته عائشة بنت أبي المعالي ولد يدعى أبا المعالي، وتوفي صغيرا، أما كريمات محمد بن الطلبه فكن ثلاثا هن: عائشة وفاطمة وخديجة.

وفاته:

توفي محمد بن الطلبه عام 1272 للهجرة عن عمر ناهز 84 سنة وقد دفن بجانب جبل" انتاجاط"في آدرار سطف غربي تيرس، وهذا الجبل ذكره هو في نهاية قصيدته التي مطلعها:

لمن الديار عفون بالنمجاط
فـالملزمين كمنهج الأنماط

حيث يقول:

أويـنتجعن مـع الـعشي مـراتعا
بين
"الأطيط" فأجبل "انتاجاط"

مؤلفاته:

ترك ابن الطلبه بعده تراثا ضخما من الشعر والشروح والعليقات والأنظام والفتاوي؛ ضاع معظمها أثناء الترحال نذكر منها:

-         نظم التسهيل لابن مالك.

-         مجمع محمد.

-         شرح ديوان الشعراء الجاهليين الستة.

-         حواشي وشروح على الأمالي والنوادر والذيل لأبي علي القالي البغدادي.

-         مجموعة أنظام في مسائل مختلفة.

يرى بعضهم أن محمد بن الطلبة نظم مختصر الشيخ خليل نظما لم يبق منه اليوم غير بيت واحد من بداية النصف الأخير من مختصر خليل – الباب - والبيت هو:

يـنـعـقـد الــبـيـع بــمــا يــــدل
على الرضى وإن تعاطى الكل

ولا أرى الأمر كذلك؛ لأن عالما في شهرة ابن الطلبة ومكانته لو عقد كتابا في شهرة مختصر خليل ومكانته لتداول الناس من المؤلف الجديد ما يصمد ويبقى حتى يصل إلينا منه أكثر من بيت واحد، ولكن يحتمل أن يكون محمد قد شرع في نظم المختصر دون أن يكمله.                             


 

[1]  تنطق الميم الأولى ساكنة{ امحمد}كما تقتضيه العادة في مجتمع بني حسان. أما الزوايا فينطقونها محمد مفصحة. 

[2]  محمد تنطق هنا محمذن. و تعني بالصنهاجية محمدنا. و محمد {آبه }هدا هو الذ ي عناه الشيخ محمد المامي بن البخاري بقوله: "وما محمد نجل الطلبه ناقله "و الطلبه كانت علما على بيت المختار بن أبي موسى جد محمد الامين والد صاحبنا الذي نتحدث عنه.

و الطلبه {جمع طالب }وكان المدرسون في بلاد شنقيط يتسمون بها ابتعادا عن تزكية النفس، فيقول المدرس منهم أنا طالب تواضعا منه. وهي كثيرة الشيوع في موريتانيا، فنجد الاسم أحمد طالب منتشرا في مجموعة الاقلال المشهورة. كما ينتشر في المغرب و الجزائر. فالوزير السابق -مثلا-: أحمد طالب الإبراهيمي ينتمي إلى بيت من بيوتات العلم المشهورة في إفريقيا.

[3]   و يطلق عليه أبيال بالصنهاجية " أبو يعلى "

[4]  كلمة ابهنضام تتألف من "أب "و تعني: أبو.  و هنض و تعني: أحمد. و آم و تعني: عامر. أخبرني بذلك المؤرخ الكبير: المختار بن حامد.

[5]   مخطوط  بمكتبة أحمد سالك بن محمد الأمين بن أبوه

 

القائمة

من أدب ابن الطلبة الحساني المزيد

من غزل ابن الطلبة  المزيد

محمد بن الطلبة المولد والنشأة  المزيد

المعجم الشنقيطي العربي المزيد

شعر محمد بن الطلبة المزيد

محمد بن الطلبة المولد والنشأة  المزيد

التعاون المغاربي يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع مؤسسات المغرب العربي بما في ذلك الموروث الثقافي البربري العربي 

المعجم الشنقيطي العربي المزيد

التعاون العربي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات العربية المحلية والدولية   المزيد

التعاون الإفريقي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات الإفريقية النشطة في المجال  المزيد

التعاون الدولي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع الهيئات الدولية المزيد

التعاون المغاربي يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع مؤسسات المغرب العربي بما في ذلك الموروث الثقافي البربري العربي 

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث  مركز محمد بن المزيد

التعاون العربي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات العربية المحلية والدولية   المزيد

مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث  مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث مركز محمد بن المزيد

التعاون الإفريقي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع المؤسسات الإفريقية النشطة في المجال  المزيد

التعاون الدولي  يتطلع مركز محمد بن الطلبة للدراسات والبحوث إلى التعاون الثقافي والمعرفي مع الهيئات الدولية المزيد

 
top Back to top