مولده ونشأتـــــه:
في
نهاية العقد التاسع من القرن الثاني عشر الهجري
حوالي: 1188هـ الموافق: 1774م، ولد امحمد بن
الطلبة، لكن القدر لم يشأ أن يعيش ابن الطلبة في
كنف والديه - كغيره من النوابغ – فقد غيبهما الموت
ولما يكمل ابنهما ربيعه الأول.
لكن حزم جده لأبيه محمذ آب بن المختار -وقد كان
قبلة عصره في العلم الظاهر والباطن- حال دون إحساس
الحفيد بما قد يعانيه من هو في وضعه، فغمره عطفا
وتوجيها، وغذاه علما وحلما، ففتح الصبي عينيه على
المعارف والعلوم والسلطة والجاه، فطفق يحصل ما
استطاع تحصيله من الثقافة العربية الإسلامية آخذا
من كل تخصصاتها بنصيب وافر موظفا في ذلك وقته،
فكان هذا التكوينَ الأولَ هو الذي حدد معالم شخصية
ابن الطلبة.
وبعد ذلك بدت على الطفل بشائر النبوغ فأخذ الكثير
من المعارف حفظا وضبطا، ساعده على ذلك محيط أسري
نابض بالعلم والتعلم، فشرع ينهل من معارف جده وعمه
حبيب الله (توفي حوالي: 1230هـ) آخذا عنهما ما
يلزم من النحو والفقه واللغة والأدب والعقيدة
ليتردد بعد ذلك على حلق المساجد التي كانت تغص بها
منطقة تيرس ممثلة بذلك أهم منتديات العلم ومجالس
الأدب، وباختصار: نواة مراكز الإشعاع الثقافي في
المنطقة. إذ يؤمها من حولها من الأحياء والقرى ومن
بحوزتها من أهل المعارف والنهى.
"... فقد حضر وهو يافع دروس كمال الدين محمذن
المجيدري، كما اتصل بصفوة من تلامذته أمثال:
المامون بن محمذ الصوفي (1235هـ 1820م) ومولود بن
أحمد الجواد (1243هـ 1827م) والبخاري بن
الفلالي(...) وكان على صلة حميمة بالشريف سيدي
محمد بن سعد الصعيدي (1232هـ 1817م). ولم يكن
الشاب المتعلق بالتعلم والعلم والمتألق في سماء
المعرفة والشعر لينآى عن مدارس منطقة الجنوب
الغربي من البلاد الشنقيطية، فقد ترك له سلفه
هنالك غرسا محمودا، فربطته صلات ود وزمالة بأحمد
بن محمد العاقل الديماني (1244هـ 1828م) وبابنه
محمذ (1281هـ 1865م) وبتلميذه النابغة القلاوي
(1245هـ 1830م) وبالعالم الجليل حرمة بن عبد
الجليل العلوي (1243هـ 1827م)" ،
كما ربطته في الحيز الجغرافي نفسه "القبلة" صلات
صداقة ومشورة مع أمير اترارزة المجاهد: محمد
الحبيب بن أعمر بن المختار بن الشرقي بن اعلي
شنظورة بن هدي بن أحمد بن دامان (1277هـ \ 1860م)
فكان العلماء قد أفتو الأمير بنزع السلاح من
حامليه لأن العافية انتشرت وحمل السلاح صار حرابة،
فقال لهم: سأستشير امحمد بن الطلبة فبعث إليه
برسالة هذا نصها: "إن العلماء حولي من جميع
الزوايا أمروني بنزع السلاح من ذويه
فانتظر ما تشير إلي به" فأرسل إليه ابن الطلبة
بقطعة شعرية، يحثه فيها على التمسك بالسلاح للذب
عن حمى الشريعة الإسلامية.
ألا بـــلـــغ مــحـمـدنـا
الـحـبـيـبـا
سـلامـا مـثـل نـفح الـطيب طـيبا
تــحــيـة نــاصــح لــــك ذي وداد
يــرى مــا قــد مـنـاك بــه مـصيبا
أيــازيـن الــنـدي ومـــن نـجـلـي
بـطـلـعـته إذا دجــــت الـخـطـوبا
فــلا تـجـزع مـن الـحدثان واصـبر
لــمــا لابــــد يــومــا أن يـصـيـبـا
ولا تــضـع الــسـلاح فـــإن فــيـه
لأهـــل الــديـن عـنـدكـم نـصـيبا
بــذبـكـم الـغـوائـل عـــن ذويـــه
إذا عـــدمــوا لــغـائـلـة مــجـيـبـا
فـــلا عـدمـت بـنـو دامــان يـومـا
ولا تـاشـمـش مـنـظـرك الـنـجيبا
كما
كانت علاقته بمعاصريه علاقة طيبة ومتميزة، تؤكد
ذلك شهادات معاصريه في حقه، والتقدير الذي حظي به
خلال حياته بين العامة والخاصة "... فقد اخترقت
شهرته حجب المعاصرة وحواجز المسافة."
وممن عاصره كذلك من الأمراء: أحمد بن عيدة أمير
آدرار (1277هـ)، وبكار بن اسويد احمد أمير تكانت
(1233هـ)، وهو الذي يعنيه بقوله:
بــــكـــار إنـــــــك
رواح وبـــكـــار
لـلـمـكـرمـات ونـــفــاع وضـــــرار
وقد
اطلعنا في بعض المخطوطات بمكتبة أهل الطلبة على
بيت رديف لهذا البيت لعله مطلع هذه القصيدة وهو:
لـلـه عـيـس عـلـى أكـتائها
الـقار
كـأنـهـا مــن دؤوب الـسـير أوتــار
خلف
ابن الطلبة مجموعة شعرية ناهزت 1800 بيت تناول
فيها جل أغراض الشعر عدى غرضي الهجاء والمدح
التكسبي "...فقد حوت الأجناس الشعرية التي تضمنتها
مدونة الشعر العربي القديم باستثناء المدح التكسبي
والهجاء برغم ما زخر به الشعر العربي عامة، و
الشنقيطي منه بوجه خاص، من هذين الغرضين، فقد عاش
الرجل غني النفس عفيف اللسان".
كما خلف مؤلفات نفيسة عبثت يد الزمان ببعضها
كغيرها من التراث الشنقيطي، ومن أهم آثاره
ومؤلفاته الموجودة:
- جزء من مصحف عتيق بخطه، وهو بحوزتنا في مكتبة
أهل الطلبة.
- ديوانه المحقق من طرف دار الرضوان لصاحبها أحمد
سالك بن ابوه.
- عدة أنظام تعليمية مثل:
- نظم فقهي في حكم مس المصحف، موجود بمكتبة أهل
الطلبة، يقول في أوله:
قال أبو القاسم في الروض الأنف
وقـــولـــه كـــأنـــه روض أنــــــف
فــي مــس مـصـحف بـلا طـهاره
أبـــاحـــه جــمــاعــة مــخــتــاره
- نظم
توحيدي في معنى وإعراب كلمة التوحيد: لاإله إلا
الله، موجود في مكتبة أهل الطلبة، يقول في أوله:
أول واجـــب عــلـى مـــن
كـلـفا
تــعـلـم الــلـغـة حــتــى يــعـرفـا
مـعـنى الإلــه بـالـلسان الـعربي
لأنــــــه مــفــتــاح نـــيـــل الأرب
فـــإن مـــن لـــم يـــدر مـامـعـناه
لـــــــم يــــــدر لا إلــــــه إلا الله
- نظم
لغوي معجمي في تسميات ليالي الشهر، يقول في
بدايته:
كـــل ثـــلاث مــن لـيـال
الـشـهر
قــد سـميت بـاسم لـديهم فـادر
فــــغــــرر فـــنُــفَــل فـــتــســع
فـعـشـرها فـالـبـيض ثــم الــدرع
- نظم
التسهيل، وهو نظم في النحو نظم فيه: تسهيل الفوائد
وتكميل المقاصد لابن مالك (762هـ) وجله مفقود،
يقول في مستهله:
قــــال الـجـديـر بـالـجـفا
الـفـقـير
لــرحــمـة الــرحــمـن والـحـقـيـر
مـحـمد الـمـعروف بـابـن الـطـلبة
هـيـئ لــه يــارب أسـنـى طـلبه
- نظم
التسهيل والتكميل في فقه متن خليل؛ وهو نظم فقهي
نظم فيه مختصر الشيخ خليل بن إسحاق الجندي (776هـ)
وجله مفقود، يقول في مقدمته:
لــلــه وحـــده الـغـنـى
والـحـمـد
مـصـلـيـا عــلــى الـنـبـي وبــعـد
وآلـــــــه وصــحــبــه مــســلـمـا
مـلتمسا لـلعون مـن رب الـسما
إلى
أن يقول:
فــــإنـــهـــم
يــــدرســـونـــه ولا
يــدرون مــا أتــى ولا مــا أهـملا
فــصـار مـعـرفـا وهــم بـالـمشأم
شــتـان بــيـن مــغـرب ومـشـئم
- شرح
ديوان الشعراء الستة الجاهليين.
- مجمع امحمد وهو كناش جمع فيه مختارات من كتب:
الأغاني والنوادر والأمالي.
توفي رحمه الله عام (1272هـ\1856م) بالجنوب الغربي
من تيرس حيث دفن عند جبال "انتجاط بآدرار سطف"،
وهي التي ذكرها في نهاية قصيدته التي مطلعها:
لــمـن الـديـار عـفـون
بـالـنمجاط
فـالـمـلـزمين كـمـنـهـج الأنــمـاط
حيث يقول:
أويـنـتجعن مــع الـعـشي
مـراتعا
بــيـن الأطــيـط فـأجـبل انـتـاجاط
وقد أرخ كثير من العلماء والمؤرخين لوفاته شعرا
ونثرا من بينهم العالم العلامة: بابكر بن محمذ بن
احجاب الديماني (1322هـ) بقوله:
فـي عـام شـرعب على
التوالي
وفــاة نـجـل الـطـلبة ذي الـخلال
وهـو فـريد عـصره فـي الأسـخيا
والــشــعـرا والـعـلـمـا والأتــقـيـا