هاجس الزمن عند محمد بن الطلبه: منهج في التناول :
منهجية البحث
أولا: مفهوم الزمن في المدونة
ثانيا: فضاءات الزمن في المدونة
1
المكان
ا
الواقعية
ب المكان الآهل
2 الليل:
الطيف المطر
3
الرحلة
ا
الواقعية
ب
المتخيلة
4
الذكرى
ا
الشباب و المشيب
ب
فراق الأحبة
ج
لحظة المو
ثالثا:
مستويات
الزمن
1
الزمن النفسي
2
الزمن الوجودي
3
الزمن التاريخي
رابعا معجم الزمن ودلالاته في المدونة
1
الزمن المبهم
2
الزمن المحدد
3
المعنى المعجمي
4
المعنى السياقي
خامسا:
الخاتمة
سادسا:
ثبت المصادر و المراجع
مفهوم الزمن:
يرتبط الموضوع كما هو جلي من العنوان ارتباطا وثيقا
بالزمن، هذا المفهوم الملتبس في تعريفاته وتحديداته
اللغوية والفكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن الهدف من هذا البحث ليس التفصيل في
مفهوم الزمن، ولا عرض مختلف الآراء الفكرية والفلسفية
حوله، وإنما تحسسه والبحث عن مظانه في هذه المدونة،
فالمفاهيم المختلفة للزمن لا تهمنا إلا بمقدار ما تصبح
دلالة الزمن فيها ذاتية خاصة قبل أن تصبح موضوعية عامة.
ويعتبر الزمن أبرز موضوع ذاتي فكري شغل الذهن البشري على
مدى التاريخ، وقد اختلفت آراء المفكرين والفلاسفة
واللغويين حوله وإن كانت في مجملها تعكس نسقا فلسفيا مبكرا
أومتطورا لهذا المفهوم، لأن مسألة الزمن والإحساس به قضية
متعلقة بالوجود في إثباته ونفيه من جهة، وفي انعكاسه على
الذات الإنسانية بما هي إحدى متعلقات الزمن أوالمتأثرة به
على أقل تقدير من جهة أخرى، سيما حين يتصرف معنى الزمن
إلى مفاهيم السلطان والناس.
ويختلف مفهوم الزمن عن الوقت، فالوقت مفهوم عام وموضوعي
يمكن تحديده، أنه مفهوم فيزيائي شائع نستعين به لضبط
حياتنا الاجتماعية، ومن خصائصه أنه مطابق لتركيب موضوعي
موجود في الطبيعة، وليس نابعا من خلفية ذاتية للخبرة
الإنسانية،
أما الزمن فهو مفهوم شخصي، أوكما يقال غالبا ذاتي، يقول
برغسون
bregsn
"إن الزمن معطى مباشر في وجداننا"
ويقسم الدارسون الزمن أنوعا ثلاثة:
الزمن الفلسفي
الزمن التقويمي الفلكي
الزمن اللغوي (صرفي، يحوي، دلالي)
وتبرز المعاجم اللغوية مرونة في تعريفها الزمن وتمييزها
بين الوقت والزمن والزمان، فقد ورد في لسان العرب تحت
مادة: "زمن "ما يلي: الزمن والزمان: اسم لقليل الوقت
وكثيره أزمن بالمكان: أقام به زمانا، قال: ويكون الزمن
شهرين إلى ستة أشهر والزمن يقع على الفصل من فصول السنة
وعلى مدة ولاية الرجل. وقال شمر: الدهر والزمان واحد. قال
أبو الهيثم: أخطأ شمر؛ الزمان: زمان الرطب والفاكهة وزمان
الحر والبرد...قال: والدهر لا ينقطع، قال أبو منصور: الدهر
عند العرب يقع على وقت الزمان من الأزمنة وعلى مدة الدنيا
كلها... والزمان يقع على جميع الدهر وبعضه. ويعرف الدهر
بأنه الأمد الممدود، وقيل: الدهر ألف سنة... وأما عند
الجوهري فإن الزمان هو الدهر"
أما القاموس المحيط، فقد أورد ما يلي: "الوقت: المقدار من
الدهر وأكثر ما يستعمل في الماضي. أما الدهر فقد يعد في
الأسماء الحسنى والزمان الطويل والأمد الممدود، والزمن:
قليل الوقت وكثيره:
من خلال هذه التحديدات نستنتج ما يلي:
1-
الزمان هو: الدهر والأمد،
2-
الوقت: المقدار المعلوم من الزمان.
3-
الزمن: قليل الوقت أوكثيره أي غير محدود.
يقول "هانرتر" بشأن لفظة الزمن: (إن الكلمات المستعملة في
العربية للدلالة على الزمان موجودة في اللغات السامية عدا
كلمة زمن فهي في العربية فقط)
وتبدو اللغة العربية لغة زمانية تعبر عن الأوقات كلها
تعبيرا ميقاتيا في الوقت الذي يتحول فيه التعبير الزماني
إلى شكل مجازي وهذا ما يدل على أن الوعي بالتزامن والتعاقب
لم يكن استجابة طفولية لدى العرب، وإنما كان وعيا بكل ما
يدور حولهم، إذا غدا ذا دلالات اجتماعية ومعرفية ومكانية
عميقة.
ويأتي الزمن كما عبرت عنه الدراسات العربية المبكرة قياسا
للعمر ومدة البقاء، في الوقت الذي صار تجربة اجتماعية
مادية ونفسية، تنطوي على وعي بتعاقب الأحداث ميلادا وموتا
وربطها بالزمن الطبيعي، دون أن ينسى العرب مفهوم الزمن
التاريخي لحظة واحدة، وبذلك اهتدوا في دورة الزمن التي لا
تشكل بداية ولا نهاية، وأطلقوا عليها مفهوم الدهر، وقد كثر
حديثهم عنه ونسبوا إليه القوارع تصيبهم من هرم وموت، ثم
تغير المفهوم الزمني الدائري بفعل العقائد الدينية وبفعل
الدراسات الفكرية والأدبية المتأثرة بالثقافات الوافدة.
ومن هذا نفهم أن الزمن في الحقل الدلالي الذي تحتفظ به
اللغة العربية هو زمن مندمج في الحديث بمعنى أن يتجدد
بوقائع حياة الإنسان وظواهر الطبيعة وحوادثها وليس العكس
أنه نسي حسي يتداخل مع الحدث.
ومن أهم الدراسات العربية القديمة التي جعلت للزمان بعدا
موضوعيا فنيا قبل أن يكون زمنا تاريخيا واجتماعيا ما قدمه
لنا أبو علي المرزوقي (421هـ 1030م) في كتابه "الأزمنة
والأمكنة " ذلك أنه جهد في البحث عن المعاني المرتبطة
بالزمن في شرحه للعديد من الشواهد الشعرية، فضلا عن
العنوان الذي يحمل وعيا ناضجا بالزمن.
لقد أحس المرزوقي بذاتية الزمان في المكان وما له فيه من
بواعث التأثير حين يقول: "فترى ذكر الزمان في المكان في
جميع ما يندرجون فيه شقيق أرواحهم ومشروع الروح لأفئدتهم،
ومستمد ذاكرتهم، ومشتكى لأحزانهم، به تكشف البلوى ويستنزل
المطر، فليسوا بشيء من حظوظهم أقنع منهم باجتماع الوطن
والمطر."
إن المروزقي في دراسته لم يكتف بالربط بين الزمان الحضوري
الوجودي والمكان، وأنما ربطه بالزمن التاريخي والنفسي
والفكري الدائر من حوله، ثم عضده بالشعر القديم، كما شفعه
بآراء الفلاسفة والمتكلمين ممن عرفهم وأقر لهم، وبذا كان
الزمن عنده إحساسا واعيا من ضوء تجارب الماضي وخبراته
ومعارفه. وهكذا استطاع أن يثبت أن الزمان الذي يستوعب
الكون والتاريخ والجغرافيا لايمكن أن يمر إلا في إطار حركة
الذات المعبرة عن الزمن المعرفي والنفسي...و هي حركة
امتداد الزمن الواعي من الحاضر إلى الماضي، ومن ثم الرجوع
إلى المستقبل.
إن هذا التصور للزمن من حيث ربطه بالذات الواعية هو ما
أثاره فلاسفة غربيون مع الفارق الزمني بينهم وإياه،
فالفيلسوف الرياضي"ليبنتز" يري أن الزمان ما هو إلا نظام
تعاقب الأحداث، ويؤكد الفيلسوف "كانت "حين يلغي وجود
الزمان بدوننا نحن، أي أن الزمان والمكان غير موجودين خارج
تمثيلاتنا، وهو بهذا يضع بذرة الذاتية؛ ذاتية الزمن في
نسقه، ويشاركه هذا الرأي "شوبنهور" حين يرى أن المكان
والزمان صورتان للمعرفة لا تقومان إلا بالذات العارفة،
إن ذاتية الزمن ونسبيته ربما تكونان المدخل إلى بحثنا عن
هاجس الزمن عند الشاعر ولد الطلبه، فللشعر زمان خاص،
والشاعر إنسان له عالمه الخاص، وتصوراته الخاصة كذلك،
فتعامله مع الزمن ينبع من تجربته الذاتية، وتصويره له لا
يكاد يخرج فيه سياقه الثقافي والحضاري.
فضاءات الزمن في المدونة:
للزمن تجليات كبرى في المدونة، ولا غرابة في ذلك فالفضاء
الرحب، والصحراء المترامية الأطراف، والشاعر المتنقل
الملهم كل هذا من شأنه أن يعطي إحساسا دؤوبا بالزمن، وأن
يكسبه نكهة خاصة كذلك.
ومن العسير ضبط زمن الشعر؛ لأن الشعر زمن قائم بذاته، لذلك
سنتحايل عليه ونتبنى أطرا تساعدنا في فهم الزمن الشعري
ورصده في المدونة.
ونشير بدءا إلى أنه من الصعب الفصل بين الزمان والمكان،
ذلك أن الحركة عبر المكان هي دليلنا على الزمان، وهي ما
يعرفنا به، و يمكننا من قياسه؛ إذ من الصعب تصور الزمان
بدون المكان كما يرى "افلاطون "، فالزمن مرتبط بالكون وهما
غير منفصلين، ويضيف "أرسطو " إلى هذا الترابط فكرة الحركة،
فعن طريق الحركة يمكن الوصول إلى الزمن، يقول: (فالزمن
كينونة غير منفصلة عن الحركة، فنحن إذن ندرك الزمن عن
طريق الحركة، فنقول بأن الزمن انقضى).
انطلاقا من هذا المعطى حاولنا أن نؤطر الزمن ضمن فضاءات
معينة ظلت تستدعيه أكثر من غيرها كلما سنحت للشاعر، وهذه
الفضاءات كما تراءت لنا هي:
أولا المكان:
للمكان في المدونة مستويات عدة أبرزها الطلل، فقد حظي
بنصيب أوفر في المدونة، إلا أن المكان يأتي موقعا بعينه،
فيكون واديا أو حيا بدويا أو مربعا للحي.
ثانيا الليل:
ويعتبر إطارا زمنيا إلا أنه في المدونة يخرج عن مفهومه
الميقاتي المألوف ليصبح زمنه خاضعا لحالة الشاعر النفسية،
فيطول حد الأبد أويقصر حد اللحظة تبعا لهذه الحالة، وهو
أمر مألوف في الشعر العربي.
ثالثا الرحلة:
تظهر الرحلة على مستويين: رحلة زمانية يستمدها الشعر من
تراثه وماضيه المجيد، ورحلة مكانية أومجال واسع تنتظمه
حركة الشاعر عبر الصحراء.
رابعا الذكرى:
وهي الأداة المكينة لاسترجاع الزمن، ونجدها غير منفصلة عن
الفضاءات السابقة، فالمكان يستثيرها، والليل يستحثها،
والرحلة تشكل جزءا منها، وهي بدورها تؤطر كل هذه الفضاءات
وتزيد عليها أشياء أخرى.
وللذكرى في المدونة ارتباط بالشباب والمشيب، وفراق الأحبة،
ولحظة الموت، ودنيا الشاعر الحافلة بالموقف الخاصة.
أولا المكان:
قسمناه إلى نوعين: "المكان الحائل" وهو مصطلح أطلقناه على
الطلل، والمكان الآهل ونعني به الأمكنة الأخرى.
1-
المكان الحائل (الطلل)
تأتي وقفة الطلل عادة شعرية قديمة ترسخت منذ العصر الجاهلي
في القصيدة مما جعل بعض النقاد يجعلها مقوما فنيا لا غنى
للقصيدة عنه.
وإذا كان من الشعراء من خرج على هذه العادة واعتبرها جورا
على القصيدة في العصور اللاحقة، فإن شاعرنا ابن الطلبه كان
وفيا لهذه العادة. إنه هو الشاعر البدوي، المحمل بتراث
الأقدمين، خضع لتراثه الثقافي والبيئي وجعل من الطلل ثابتا
مألوفا في أكثر من قصيدة له.
ويشغل الطلل حيزا معلوما في قصائد الشاعر، ويظهر الشاعر
فيه موزعا بين زمنين هما: زمن الحضور وزمن الغياب.
إن لحظة الوعي بالزمن تتولد فجأة من معاينته المكان، ذلك
أن المكان الذي شكل في ماضي الأيام جزءا من ذاكرته ومن
ذاته يطالعه فإذا به قد تغير وتبدلت معالمه، وارتحل عنه
ساكنوه، فتنشأ لديه حالة من الأسى والشعور بالضياع تفضي به
إلى استرجاع ذكرياته عن المكان، فتنثال الذكريات مشكلة
بذلك زمنا خاصا هو زمن الطلل، وهو مزيج من الماضي والحاضر.
وقد وردت المقدمة الطللية في تسع عشرة قصيدة من المدونة،
متعددة الأغراض، فأغلبها قصائد غزلية، ولكن منها قصائد
مدحية وأخرى سياسية واجتماعية.
ويأتي الطلل تحت تسميات مختلفة: الدمن – الدور – المنازل
–الأربع – الديار – المربع – الرسوم – الأرض – الحي –
الدويرة.
وتبرز هده المفردات بتنوعها وشيوعها ارتباط الشاعر العميق
بالمكان وذكراه الماثلة أمامه في الزمان.
إن لحظة مواجهة الطلل تبدو لحظة صدمة، ينسرب الزمان من
خلالها عبر الذكرى في ومضات آنية واسترجاعية يتحسس الشاعر
من خلالها تحولات الزمن، وكيف عبث بالمكان، وغيرت معالمه،
أقفرت بعد أنسه:
نموذج 1
(الطويل)
عـــلامَ الأســـى إن لـــم نُـلِـمَّ ونَـجـزَعِ
ونَــبــكِ عــلــى أطــــلالِ رأسِ الــذُريـعِ
...ألَـــم تــريـا الأطـــلالَ أمـسَـت مـجـاثِماً
بــهــا أحــــرزَت أذراعــهـا كـــلُّ مُـــذرِعِ
فـأصـبَـحنَ مــن عـيـنِ الأنـيـسِ أواهِــلاً
بـأشـبـاهِها مـــن عـيـنِ وحــشٍ مُـلَـمَّعِ
أجِــــدَّكَ عــيـنـاكَ الـطـمـوحـانِ ضَــلَّــةً
مَـــتــى تـــرَيــا رأسَ الـــذرَيِّــعِ تــدمَــعِ
مــنـازِلُـنـا إذ عَــيـشُـنـا فــــي غــــرارَةٍ
وسِــــربُ الـتـصـابي آمـــنٌ لـــم يُــفَـزَّعِ
قَــضَــيـنـا لُــبــانــاتِ الــصِــبـا ونُـــــذورَهُ
بــهــا ثـــمَّ تـــمَّ اللهوُ غــيـرُ الـمُـشَـنَّعِ
نموذج 2
حَــــيٍّ مــــن ســاحَــةِ الـمُـبَـيـدِع دُورا
جَــنــبَـةَ الـــريِّــعِ قــــد دَثَــــرنَ دُثــــورا
قــــد أضَــــرَّ الــبِــلا بِــهــا غــيــرَ لـــوحٍ
مــــــن رُســــــومٍ تــخــالُـهُـنَّ زَبــــــورا
وبَـــقــايــا مــــــن أرمِــــــداتٍ تَــقــيـهـا
خـــالــداتُ الــصَــفـا الــصـبـا والــدبــورا
حـــبَّــذا هُـــــنَّ مــــن مــعـاهِـدَ لَــــولا
أنّ لـــلِـــدّهـــر عـــــثــــرَةً وحُــــبــــورا
من النموذجين السالفين تبين أن لحظة مواجهة الطلل والوقوف
عليه ولدت إحساسا موجعا باللحظة الآنية، وتبدو هذه اللحظة
محملة بالفناء والخراب والانهزام النفسي، لايكاد الشاعر
يتخلص منها مؤقتا إلا باستدعاء الماضي. فالاعتبار بما آل
إليه المكان يحمل الشاعر من الزمن الآني عبر الاستذكار إلى
زمن بهي يمثل حياة المكان الحافلة، وزهو الشاعر أيامها.
ويظهر الطلل وثيق الصلة بتجربة عاطفية عاشها الشاعر وكان
يتمنى لها الدوام.
أما زمن الطلل فتتناوله لحظات مختلفة تندمج في زمنه
الميقاتي الذي يأتي بكرة أوأصيلا، وهذه اللحظات هي:
أ-
الحاضر الآني، ويتضمن المعاينة – استيقاف الصحب
–البكاء- تبين الرسوم –وصف التغيرات التي طرأت على المكان.
ب-
استحضار الزمن الماضي، ويتضمن: ألق المكان السابق
– ذكرى ساكنيه – مرح أيامه والتواصل مع الأحبة - فتوة
الشاعر.
ج- لحظة التجاوز وتظهر تبني مستقبل يحاول الشاعر فيه
التغلب على الموقف الدرامي والاستمرار في الحياة وذالك عن
طريق استعراضه بطولاته وأيامه البهية، كما تكون أحيانا
تحركا من المكان ووصفا للرحلة والراحلة.
إن الطلل الذي يبدو في اللحظة الأولى هامدا ساكنا تحوله
لحظة المعاينة إلى نبض عامر بالشاعر وبصحبه وذكرياته،
وتصبح الوقفة المحدودة زمنا نفسيا ممتدا ومتجذرا في وعي
الشاعر ولا وعيه؛ فمن الوعي تنبثق محاولته إسباغ الحياة
على المكان عن طريق التحية، وحبس الصحب والمطي به، والتوسل
له بالسقيا ترميما لما أفسد الدهر.
ومن اللاوعي تنثال الذكريات زمنا داخل الزمن، دفقا محموما
شكل ذات يوم ماضيا، وشبابا ومراتع صبا، وعيشا رغدا. وتبقى
الذات الشاعرة تنازعا بين الزمنين، صراعا بين الحياة
والاندثار، بين الماضي والحاضر، في لحظة التأزم هذه، يظهر
زمن ثالث تحاول الذات فيه استعادة توازنها النفسي عبر حيل
فنية مختلفة.
يوضح الرسم البياني التالي زمن الطلل:
الزمن الحاضر – الراهن = الوقوف – البكاء – تبين الرسوم
الزمن الماضي – الضائع = أنس المكان – اجتماع الشمل
–الرخاء
زمن التجاوز – التوقع = الفخر - الرحلة
2-
المكان الآهل:
يظهر في بعض القصائد – خلافا للطلل – عامرا بأهله محافظا
على قسماته، إلا أنه يستدعي من الشاعر توقفا عنده، وحديثا
عنه، وذلك لارتباطه بمواقف أثيرة لديه:
نموذج
1
(الكامل)
...يـــــا حـــبَّــذا دوحُ الـــذرَيِّــعِ ذو
الـــــظــ
ــلِّ الـــظــلــيــلِ ورَمـــــلــــهُ الـــيَـــلــقُ
بَــــــــل حــــبَّـــذا عــــيـــنٌ تــقَــيَّــلُـهُ
بـــيـــضُ الــتــرائــبِ خــــــرَّدٌ عُـــتـــقُ
يــعـكُـفـنَ ضَـــحــواً فـــــي مـكـانِـسِـهِ
فــطَــريــقُــهُـنَ لـــفَــيــئــهِ دَعـــــــــقُ
حـتّـى إذا مــا الـشـمسُ قــد جَـنَـحَت
واجــتــابَ جــلـبـابَ الــدجــى الأفــــقُ
رجَـــعَـــت تَـــجُـــرُّ الـــريـــطَ رائـــحَـــة
لــلــطّـيـبِ فــــــي أردائِـــهـــا عَـــبــقُ
وتــــــروحُ عـــائـــشُ بــيــنَـهُـنَّ كَـــمــا
قــــــد ذرَّ بـــيــنَ ســحــائِـبٍ شَـــــرقُ
يستعرض الشاعر بذكره دوح الذريع صورة وافية لما كان يجري
فيه ويرتبط به من أحداث يومية، وهنا يظهر الزمان الميقاتي
محددا لهذه الحركة، حيث يصف الشاعر على مدار اليوم
الأحداث،
فالبرنامج اليومي للوافدات على المكان ورد محددا بكل
قسماته، مفصلا بمواقيته (تواجد النسوة ضحا بالكثيب –
مقيلهن فيه – تحركهن وقت الغروب)
ويتحدد الزمن الميقاتي من خلال الألفاظ: (تقيله – ضحوا –
الشمس – قد جنحت)
نموذج 2
(الخفيف)
ذاك أنــــــي دخَـــلــتُ يـــومــاً عــلـيـهـا
بــغــتَـةً إذ أطـــغــى الــهـجـيـرُ الـعُـيـونـا
مُـسـتـظِـلّاً إلــــى الـخـبـاءِ عــلـى غِـــرَّ
ةِ أمــــــرٍ لَــــــم أخـــسشـــهُ أن يــكــونــا
يــــومَ حَــلـوا نُـبَـيـكةَ الـنـصـفِ إذ قَـــصَّــ
ــرَ لــــهــــوي وحــلَّــمَـتـنـي الــســنــونـا
إن الأحداث المرتبطة بالمكان جاءت موثقة، مفصلة تفصيلا
دقيقا في حيزها الزماني بواسطة الأفعال والألفاظ ذات
الدلالة الزمنية: - دخلت – يوما – الهجير – يوم حلوا نبيكة
النصف.
ويمكن القول إن الزمن في المكان يتشكل على مستويات عدة،
فزمن الطلل زمن مبهم، غير محدد المعالم، غني بالاختلاف:
حاضر – ماض – ماض حاضر -. وهو ما يولد زمنا مأزوما ينتقل
منه الشاعر إلى استشراف المستقبل، عبر آلية التغني بالذات
أوالرحلة.
أما زمن المكان الآهل فإنه لايتورط في تجميع أزمنة مختلفة
كما هو الحال في الطلل، ولكنه يبقى مرتبطا بحدث واقعي،
استدعي من الماضي، وجاء محددا فهو يوم بعينه، أوغداة
بعينها، تأتي لتوثيق لحظة تاريخية لا ينساها الشاعر.
ثانيا الليل:
يأتي فضاء الليل في المدونة أكثر امتدادا وأوسع مدى من
اللحظة النهارية للطلل، ولعل الليل بفضائه الواسع، وظلامه
وسكونه بمداه المترامي، يتيح للشاعر حالات من التجلي
والانطلاق ومعايشة الزمن أكثر من غيره من الفضاءات.
وقد ورد الليل في إحدى عشرة قصيدة في المدونة، فتصدر بعض
القصائد، ووجد له مساحة لا يستهان بها في قصائد أخرى.
ويذكرنا ليل الشاعر أحيانا كثيرة بليل امرئ القيس المشدود
إلى يذبل، وليل النابغة المليء بالهموم، ولنتبين بعض هذه
النماذج:
نموذج 1
(طويل)
تـــطـــاوَلَ لـــيـــلُ الـــنـــازحِ
الـمُـتَـهَـيِّـجِ
أمـــــا لــضــيـاءِ الــصـبـحِ مــــن مُـتَـبَـلَّـجِ
ولا لـــظَــلامِ الــلــيـلِ مـــــن مُــتَــزحـزَحٍ
ولــيـسَ لـنـجـمٍ مـــن ذهــابٍ ولا مـجـى
فَـــيــا مـــــن لــلَــيـلٍ لا يــــزولُ كــأنّـمـا
تُـــشَــدُّ هــواديــهِ إلــــيَ هـضـبَـتـي إج
...أعِــنّـي عـــلَى الــهـمِّ الـلـجـوجِ الـمُـهَـيِّج
وطــيـفِ ســـرى فــي غـيـهَبِيٍّ مُـدجـددِ
سَــرى يـخـبِطُ الـظلماءَ مـن بـطنِ تـيرسٍ
إلـــــيَّ لـــــدى ابــريـبـيـرَ لــــم يــتـعَـرَّجِ
فـــلَــم أرَ مــثــلَ الــهــمِّ هَــمّــاً ولا أرى
كـلَـيـلةِ مَــسـرى الـطـيـفِ مـدلـجَ مُـدلـجِ
نموذج 2
(طويل)
وَبِــــــتُّ بِـــهَـــمٍّ لا صـــبــاحَ لِــلَـيـلـهِ
إذا مــــا حـــداهُ الـصـبـحُ كـــرَّ ودَوَّمـــا
فَـقُـلـتُ أمـــا لِـلـيـلِ صــبـحٌ كـمـا أرى
أم الـصـبحُ مِـمّـا هـيَّـجَ الـطـيفُ أظـلَما؟!
بــلـى كُــلُّ لَـيـلٍ مُـصـبِحٌ غـيـرَ أنّـنـي
أرى الـصـبحَ يــا لـلنّاسِ لـلصُبحِ أنـجما
نموذج 3
(خفيف)
بُــعـدَ مـــا بــيـنَ مـــن بِـــذاتِ الــرمـاحِ
وَمُــقــيـمٍ مـــــن الــلــوى بـالـنَـواحـي
طـــالَ لَـيـلـي بـسـاحَةِ الـكَـربِ حـتّـى
كِـــدتُ أقــضـي الـحـيـاةَ قـبـلَ الـصَـباحِ
إن أبِـــــت ســـاهِــراً أُغـــالِــبُ هَــمّــاً
قـــاتِــلاً مـــــا لــبَــرحـهِ مـــــن بــــراحِ
لَــبِــمـا بِــــتُّ خــالِــيَ الــبــالِ خــــالٍ
بـــــأنــــاةٍ مـــــــــنَ الـــــمــــلاحِ رَداحِ
إن الليل في هذه القصائد يبدو ليلا مضاعفا، سجنا وجوديا
حائرا، لا يجد الشاعر منه فكاكا، وكم يتمنى لو يتخلص منه،
لذلك نلاحظ تواتر مفردة الليل يأتي تعبيرا عن ضيق الشاعر
بهذا الليل، لقد تكررت هذه المفردة في مطلع النموذج الأول
أربع مرات، وفي كل مرة يسبغ الشاعر عليها وصفا يضفي عليها
صفة الديمومة والثبات:
(تطاول ليل النازح – ولا لظلام الليل من متزحزح – ليس لنجم
من ذهاب ولا مجي – يا من لليل لا يزول؛ لاأرى - كليلة مسرى
الطيف)
إن هذه الجمل التي تراوحت بين التقرير، والاستفهام،
والنفي، والتهويل والتعجب، تترجم بصدق حيرة الشاعر الواقع
في أسر الزمن، وهو في محاولته اليائسة التخلص منه ينظر إلى
النجوم فيخالها ثابتة، يتحين الصبح ولكن دون أمل.
وتبدو وطأة الليل قاسية مرعبة، في النموذجين (2- 3) إذ
يتوقع الشاعر الموت من شدة الأسى:
طـــالَ لَـيـلـي بـسـاحَةِ الـكَـربِ حـتّـى
كِـــدتُ أقــضـي الـحـيـاةَ قـبـلَ الـصَـباحِ
لقد بلغ ضيق الشاعر بالزمان والمكان حده في هذه القصيدة
التي قرن فيها الليل بساحة الكرب – تعريب الكرب – مما أكسب
اللفظة الدارجة دلالة معجمية أسهمت في التعبير عن حالة
الشاعر النفسية.
ونلاحظ أن الشاعر يحاول التخفيف من امتداد ليله الأبدي
باستدعائه ليلة مغايرة لليلته الراهنة، وهنا يتداخل الماضي
مع الحاضر في لحظة وعي بالزمن:
(خفيف)
إن أبِـــــت ســـاهِــراً أُغـــالِــبُ هَــمّــاً
قـــاتِــلاً مـــــا لــبَــرحـهِ مـــــن بــــراحِ
لَــبِــمـا بِــــتُّ خــالِــيَ الــبــالِ خــــالٍ
بـــــأنــــاةٍ مـــــــــنَ الـــــمــــلاحِ رَداحِ
إن المقابلة بين البيتين تبرز التقابل بين زمنين ميقاتهما
متماثل، ولكن حالة الشاعر النفسية تلقي بظلالها على كل
منهما، فتطول الأولى حد الأبد وتقصر الثانية حد الدقيقة،
وهنا نلاحظ أن الزمن خارج إطاره الميقاتي، خاضع لميقات آخر
تعيه الذات المدركة في إطار تعاملها مع الزمن العام.
إن هذا الزمن يتحلى بنوع من التوزيع اللامتكافئ، من الشذوذ
وعدم الانتظام في مترية الزمن الذاتية، وتختلف هذه الصفة
عن الوحدات الكمية المطردة في المترية الموضوعية، ذلك أن
خبرتنا الخاصة تشكا أساسا
ضعيفا لقياس الزمن بموضوعية، وقد سجل "ابروست " هذه
الظاهرة حيث يقول: (الزمن الذي يتعلق بنا ونستعمله كل يوم
مطاط، فالانفعالات التي نشعر بها تمدده وتبسطه، والتي نوحي
بها تقلصه، والعادة تملؤه).
ويستدعي الليل أشياء كثيرة يلجأ إليها الشاعر لتزجية وقته،
فيشيم البرق، ويتتبع المواقع التي يسح عليها المطر، وينداح
الزمن في طريقة تنبئه فيظهر زمن خطي مواز للزمن النفسي
الذي يعيشه الشاعر:
(طويل)
ألا مَــــن لِــبَــرقٍ مُــسـحِـرٍ مُـتَـبَـلّـجِ
أجـــوجٍ كـتَـسـعارِ الـحـريقِ الـمُـؤَجَّجِ
سَـرى فـي حـبِيٍّ مـشمَخِرٍّ كأنَّ في
جـنـابَـيـهِ عــــوذاً وُلَّــهــاً مُـتَـجـدَجدِجِ
وكما يستدعي الليل المطر يستدعي الطيف كذلك، وهو ينبثق من
أحلام الشاعر المشغول بالمحبوبة والمشوق إليها، فإذا
بطيفها يتراءى له ليزيد من همومه وإحساسه بالوحدة:
(طويل)
سَــرى يـخـبِطُ الـظلماءَ مـن بـطنِ تـيرسٍ
إلـــــيَّ لـــــدى ابــريـبـيـرَ لــــم يــتـعَـرَّجِ
فـــلَــم أرَ مــثــلَ الــهــمِّ هَــمّــاً ولا أرى
كـلَـيـلةِ مَــسـرى الـطـيـفِ مـدلـجَ مُـدلـجِ
يرد زمن الليل على شكل رسم بياني كالتالي:
الليل
الزمن الحاضر
(الأرق\الاغتراب \الإحساس بوطأة الزمن)
الزمن الماضي
(الوصال \الأنس \عدم الإحساس بالزمن)
زمن التجاوز
(الطيف\ البرق\ الرحلة)
ثالثا الرحلة:
تبرز الرحلة فضاء يتشكل عبره الزمن الشعري في المدونة،
والرحلة نوعان: واقعية ومتخيلة.
1 – الرحلة الواقعية:
تأتي الرحلة الواقعة تجاوزا لليأس عندما يستبد بالشاعر،
وهكذا ينطلق والناقة حليفه ليجد له متنفسا في أرض الله
الواسعة.
فقد تبدأ الرحلة بعد لحظة الطلل المضنية، وقد تأتي خرقا
لطول الليل، كما نجدها أحيانا استعراضا لأيام الفتوة
والشباب أووصفا دقيقا لحياة الحل والترحال البدوية:
نموذج 1
(كامل)
لــمّـا سـهِـرتُ ونــامَ عـنّـي صُـحـبَتي
واعــتــادنــي الــتــهـيـامُ بـــالأوصــابِ
حــمَّــلـتُ أعــبــاءَ الــهـمـومِ جــلالــةً
كــبــداءَ مــثــلَ الــقــرمِ ذاتَ هــبــابِ
وعــرَنـدسـا يــنـضـو الـمـطـيّ مــوكّـلا
غِـــــبَّ الــسُــرى بــأوائِــلِ الــركــابِ
...فـنَـدَبـتُ صـحـبي لـلـسُرى فـأجـابني
مــاضــي الـعـزيـمـة لــيـس بـالـهـيّابِ
لـــو رَيـــتَ مـــا جــابـت بــنـا أنـضـاؤُنا
مــــن جــيـبِ كـــل تـنـوفـةٍ مــجـدابِ
نموذج
2
(خفيف)
وفُـــتُـــوٍّ شُــــــمِّ الــعـرانـيـن أقـبَـلـتُـهُـم
هَــــــبَّـــــةَ الــــســـمـــومِ عـــــجـــــالِ
بِـــتُّ أسـقـيـهمُ بـمـطـوِ سُـــرى الـلـيــ
ـلِ كــــــؤوسَ الـــكـــرى بـــأجـــردَ خــــــالِ
...فـــسَـــروا مـــاســرَوا فــلَــمّـا تــقَــضّـى
الــلـ
ـــيـلُ أو كــــادَ عــرّســوا فـــي نــعـالِ
...بِـــــتُّ أكـــلاهُــمُ وأَســـعــى عــلَـيـهِـم
بـــــشِـــــواءٍ مُـــضَـــهَّـــبٍ غـــــيــــرِ آلِ
ثَـــــــمَّ نــبَّــهـتُـهُـم فــــلأيـــاً
أفــــاقـــوا
مِــــن لــغــوبٍ قـــد مـسَّـهُـم واعـتِـمـالِ[23]
نموذج3:
(طويل)
تــرَبّـعُـهـا حـــتّــى إذا مـــــا تـنَـجـنَـجَـت
جــوازِئُــهـا تــعــدوا إلــــى كــــلِّ تــولَــجِ
وصَـرَّت عـلى الـظُهرانِ مـن وهَجِ الحَصى
جَــنــادِبُـهـا فــــــي لافــــــحٍ مُــتَــوَهِّــجِ
وَغَــــــرَّدَ مُـــكّــاءُ الأخِـــــرَّةِ
بــالـضُـحـى
تـــغَــرُّدَ مـــنــزوفِ الـــشــروبِ الــمــزرَّجِ
بــيَـومٍ مـــن الـجـوزاءِ تَـشـوي سـمـومهُ
جـــلــودَ جـــوانــي الـــربــرَبِ الـمُـتَـوَلّـج
...ونــادى مـنـادي الـحـيِ مُـسـياً وقـوّضـوا
نـضـائـدَهُـم يــــا هـــاديَ الــحـيّ أدلـــجِ
وقُـــرِّبَــتِ الأجــمــالُ حــتّــى إذا بــــدَت
نــجـومُ الـثُـرَيّا فــي الـدُجـى كـالـسمَرَّجِ
تـكَـنَّـسنَ أحــداجـاً عــلـى كـــلِّ نــاعـجٍ
عـــبـــنّ بـــأنــواعِ الــتـهـاويـلِ مـــحــدَجِ
فـصَـبَّحنَ جـلـوى طـامِـيَ الـجـمِّ وارتَــووا
ولـــم يـنـزِلوا عــن هــودَجٍ خــدرَ هــودَجِ
وسنتتبع تشكل الرحلة عن طريق الأفعال والظروف وأدوات الربط
الدالة عليها والمحددة لزمانها ومكانها وملابستها في
النماذج السابقة:
1-
سهرت – نام – اعتادني – حملت – فندبت – فأجابني – جابت
\السرى – تنوفة،
2-
أقبلتهم – بت أسقيهم – فسروا ما سرو – فلما تقضى – عرسوا –
بت أكلاهم – أسعى – ثم نبهتهم – أفاقوا - \سرى الليل –
أجرد خال – نعال.
3-
تربعها حتى إذا ما تنجنجت – صرت – غرد – نادى – قوضوا-
أدلج – قريب – حتى إذا بدت – تكنسن – فصبحن – ارتووا – لم
ينزلوا \، في لافح – بالضحى – بيوم من الجوزاء –مسيا –
الدجى – جلوى.
تبرز النماذج المذكورة خبرة الشاعر بالصحراء، وتكيفه
الفائق مع ظروفها ليلا كان ذلك أو نهارا، صيفا أم شتاء،
ثم معرفته الدقيقة بالتحولات الفصلية وما يترتب عليها في
حياة البدو ي، وكذلك درايته بنقاط المياه النادرة في صحراء
تيرس المنبسطة.
كما نلاحظ حرص الشاعر على التتابع الخطى للزمن في محاولتة
تشكيل صورة الرحلة حتى يذكر الأوقات، وساعات الرحيل،
وأماكن التوقف، وتتابع الأحداث مقرونة بالزمان مصورا حياة
الإنسان وصراعه مع الطبيعة القاسية.
2-الرحلة التخيلة:
وهي رحلة استشرافية مستقبلية ذات منبع ديني روحي، حيث
يعزف الشاعر على معاتبة الظعن والهيام بالنساء، ويرتفع إلى
مطلب أسمى وهو حب الرسول عليه الصلاة و السلام، وتوهم
الرحلة إليه.
نموذج 1
(بسيط)
بـــــاتَ الـمُـتَـيَّـمُ مــمّــا شَــفَّــهُ أرقــــا
يــا بُـعـدَ مـنـزلِ مَـن أمـسى بـهِ اعـتلَقا
نـــامَ الـعـواذِلُ عــن لَـيـلي وأسـهـرَني
ومَــــن يُــتَـيَّـم يُــــلاقِ الــهــمَّ والأرَقـــا
تـامَـت فُـؤادي غـداةَ الـخلِّ عـن عُـرُضٍ
بَـيـضاءُ لـيـسَت تُـبالي بَـثَّ مَـن عَـشِقا
...بَــل ســلِّ هـمِّـكَ إذ شـطَّـت بـدَوسَـرَةٍ
مـثـلِ الـفـنيقِ يُـسـامي رأسُـهـا الأُفُـقا
...فــاشـدُد عـلـيـها عـسـاها أن تُـبَـلِّغَني
حـيثُ الـندى الـغَمرُ يـجري واصِـباً غَدَقا
حــيــثُ الــنبـوءَةُ قـــد ألــقَـت عـبـالَـتَها
مـنّـا مــن الـمَـلكِ الأعـلـى الـذي خَـلَقا
حــيــثُ الـمـؤَمَّـلُ بـالـمـأمولِ يُـسـعِـفهُ
بــدءٌ بــهِ خـتـمُ رســلِ الـلَـهِ قـد سَـبَقا
إن الرحلة جاءت تعبيرا عن شوق الشاعر إلى الرسول الأعظم،
وتمثلا لصفاته الكريمة وهي رحلة يتخيلها الشاعر متمنيا
الوصول إلى الديار المقدسة، وقد صيغ من الرحلة في قالب
الترجي: " فاشدد عليها عساها أن تبلغني " فأصبح الزمن رهين
المستقبل، لكن الشاعر ما لبث أن رجع إلى الزمن الماضي حين
بدأ يمدح الرسول الأكرم ويعدد صفاته.
ويظهر أن الرحلة بشقيها الواقعي والمتخيل يتشكل زمنها في
الحاضر غالبا، وإن تحيزت الأفعال أسلوبيا للماضي النحوي
أحيانا، ذلك أن الرحلة تتشبث بالحاضر الدلالي وتحاول
الإبقاء عليه؛ لأن الشاعر يسعى من خلالها إلى الخلاص من
موقف معين.
والجدير بالملاحظة أن الشاعر عبر فضاء الرحلة يتملص من زمن
يتملكه ويسيطر عليه وهو في زمن الحزن والقلق، إلى زمن
يمتلكه الشاعر يتحرك فيه وهو زمن الرحلة، ومحاولة للانفلات
من قيود الزمان والمكان.
رابعا الذكرى:
إننا نعي، ونحن نضع الذكرى فضاء للزمن متميزا عن غيره من
الفضاءات، ذلك أن الزمن عموما لا ينفصل عن الذاكرة،
فالذاكرة الحقيقية كما يقول بعض علماء النفس تمتلك بنية
زمنية يقول باشلار: "إن فكرنا في نشاطه الخالص هو كاشف
زمني شديد الحساسية، وهو خليق جدا برصد ولحظ تفاصلات الزمن
"
والذكرى لدى الشاعر متلمس واضح للزمن، وقد أكد عليها مرارا
في قصائده، كما عرف الحب عن طريقها:
فَــمـا الــحُـبُّ إلّا ذُكـــرَةٌ كُــلَّ سـاعَـةٍ
ودَمــعٌ عـلـى الـخـدّينِ يَـنـهَلُّ سـائِـلا
كذلك أكد على الرباط الوثيق بين الحب والذاكرة في قوله:
تـرانـي إذا رمــتُ الـسُـلوَّ تـهـيجُ لــي
تـذاكـيـرُهـا بــــرحَ الــهــوى والـبـلابِـلا
وأذكــــــرُ أيّـــــامَ الــحُـمَـيِّـمِ والــنَــقـا
لــيـالـيـنَـنـا إذ لا نــطــيــعُ الـــعَـــوادِلا
هذا الاحتفاء بالذكرى على المستوى الدلالي، والوعي بدورها
في إثارة كوامن الماضي جعلت منها فضاء حافلا بالتلوين
الزمني.
وتندرج في فضاء الذكرى لحظات زمنية هي: (الشباب والمشيب –
فراق الأحبة – لحظة الموت)
1-
الشباب والمشيب
من أكثر الأوقات إحراجا أمام الإنسان تلك المرحلة التي
يلحظ فيها التغيرات التي تطرأ عليه بعد تولي شبابه، فيبيض
الشعر بعد ما كان أسود، ويخف النشاط، وتصد الحسان، لذا
يبدو المشيب علامة بارزة لهذا التغير الذي يفصل بين زمنين:
زمن الشباب والقوة والاكتمال، وزمن المشيب والضعف والنقص،
إنها محنة إنسانية يعانيها الشاعر أكثر من غيره، فهو بحسه
المرهف، وظمئه الفطري إلى الجمال، واستلهامه فنه منه يحس
وقع الزمن أكثر في هذه المرحلة، وقد قال أبو عمر بن
العلاء: "ما بكت العرب شيئا ما بكت على الشباب، وما بلغت
به ما يستحقه"
إن هذه المرحلة المنذرة بتولى الشباب، كثيرا ما استثارت
الشعراء وأبكتهم، وقد توقف عندها ابن الطلبه وتوقف عندها
بأسى وحزن بالغين، ورد ذلك في سبع من قصائده سنعرض نماذج
منها:
نموذج
1
(كامل)
...فـالـيَـومَ إذ وَسَـــمَ الـمَـشيبُ شَـبـيبتي
مــــن وَســمـهِ الـمـشـنوءِ شَـــرَّ عـــلاطِ
فــسَــرى يُــخَـيِّـطُ لــمَّـتـي لــمّـا سَـــرا
بُـــــردَ الــصِــبـا عَـــنّــي بــغـيـرِ خــيــاطِ
ورَمــــى بـأسـهُـمـهِ الـصـوائـبِ شِــرَّتـي
ومِــــنَ الــسـهـامِ صَــوائِــبٌ وخــواطـي
أصـبَـحـتُ ودَّعـــتُ الـصِـبـا لاعَـــن قِـلـىً
والـــدهــرُ بِــالـعِـلـقِ الــمُـفَـجِّـعِ ســــاطِ
ودَّعــــتُــــهُ يــــــــا حــــــــرِّ إلّا
أنَّــــــــهُ
يـــرتــاحُ لِــلأَظــعـانِ نـــضــوُ نَــشــاطـي
نموذج 2
(خفيف)
فـــأراهُــنَّ بـــعــد مـــــا كـــــان عَــنّــي
صُـــــدَّداً أن رأيـــــنَ شـــيــبَ قـــذالــي
إن تــريــنـي أُمَـــيــمَ اصــبَـحـتُ نِــضــواً
شــاحِــبــاً فــــــي بَــــــذاذَةٍ واخـــتِــلالِ
فَـــلَــقَــد كـــنـــتُ لـــلأوانـــسِ فَـــرعـــاً
عَـــن يـمـيـني يــرِعـنَ لـــي وشِـمـالـي
نموذج 3
(طويل)
وتَــشـهـدُ أيّــــامُ الــصـبـا عــنــدَ ربّــهـا
بـــأن لـيـس فـيـها مـثـلُ عـصـرِ الـذرَيِّـع
...فـإن يـكُ نـسرُ الـشيبِ يـوماً عـدا على
غــرابـيـنِ هــــامٍ مــــن لــداتـيَ وُقَّـــعِ
وأضــحــى زُلالُ اللهوِ رَنــقــاً وأصـبـحَـت
قِــلاصُ الـتـصابي قــد أُنـيـخَت بـجَـعجَعِ
فَـــيــا رُبَّ يـــــومٍ قـــــد أدَوتُ لــرَبــرَبٍ
هــجـائِـنَ أشــبـاهِ الـمَـهـا غــيـرِ خُـــرَّعِ
تبرز النماذج المذكورة انشغال الشاعر في لحظته الراهنة
بهذا الانفلات الزمني الذي غير ملامحه وجعله يحس توالي
أيامه، ومن ثم قرب نهايته، ولنتبين من خلال النماذج ترجمة
الأفعال والتغير الحاصل بين زمني الشباب والمشيب \بين
الماضي والحاضر:
1-
فاليوم إذ وسم – فسرى – لما سرى – ورمى – أصبحت ودعت
الصبا – ودعته – يرتاح.
2-
قد أراني – ولامللن – فأراهن – أن رأين – إن تريني – أصبحت
- فلقد كنت.
3-
إن يك – عدا – أضحى – أصبحت – أنيخت – قد أدوت.
ولعل أكثر ما يثير شجن الشاعر الغزل، المتيم بالحسان،
صدودهن عنه، واستنكارهن شيبه مما يثير قلقه، ويستحثه على
ذكر أيام فتوته وشبابه تعويضا عن حالته الراهنة.
2-
لحظة الموت:
تستوقف هذه اللحظة الإنسان دوما، وتشغل باله رغم معايشته
لها، ولا نرنا مغالين إذا قلنا: إن بكاء الشاعر الطلل،
وتحسره على المشيب ليس إلا تخوفا من هذه النهاية المحتومة.
والزمن في هذا الموقف يتشكل حاضرا ملحا وماضيا ماثلا يتفجع
فيه الشاعر على الفقيد، ويتمثل الدهر المتربص بكل حي،
ويعدد مآثر الميت، ثم يطلب له الرحمة ويستنزل المطر على
قبره، كما درج عليه الأقدمون:
نموذج
1:
(رمل)
كُــــلُّ عــيــشٍ مـــا تــراخـى لأجَـــل
ومــــآلُ الــمــرءِ مـــوتٌ حــيـثُ حَـــل
...هــاجَــنـي ذكـــــرُ مــبــيـتٍ طــالَــمـا
ضــمَّــنــا فـــيـــهِ ســــــرورٌ ومـــظَــل
أيُّ يـــــــــومٍ أيُّ يــــــــومٍ يــــومــــهُ
يـــومَ ضـاقَـت بــي رحـيـباتُ الـسُـبُل؟
نموذج
2:
(بسيط)
الــطـودَ ويـحَـكَ طــودَ الـمـجدِ والـبـاعِ
والـعِـلمِ والـحِـلمِ تَـنـعى أيُّـها الـناعي
...مــالـي أراكَ سـخـيـنَ الـعَـينِ مُـكـتَئِباً
ألَــم تـكُـن كُـنـتَ جـلـداً غـيـرَ مِـجزاعِ؟
فَــقُـلـتُ: هَـــمٌّ دخــيـلٌ قَـــد تـأوَّبـنـي
تَـمَـخَّـخَ الـعَـظـمَ مِـنّـي غـيـرُ مـنـصاعِ
إن زمن الرثاء كما يظهر من النماذج هو زمن متشنج تتداخل
فيه الأزمنة بسخاء، ويصل معه الشاعر إلى زمن كلي هو زمن
التأمل والحيرة والتسليم، إنه زمن يتحرك نحوه الشاعر في
مسعاه للخروج من زمن الساعة الموجع.
ويتميز بعد الزمن الرثائي بملمحين كبيرين؛ الأول:غياب
حقيقة الزمن ومجاله فليس الزمن حاضرا أوماضيا أو مستقبلا،
وإنما هو حالة من الوعي تشمل كل هذه الأشكال الثلاثة للزمن
الموجودة سويا أوربما المتضمنة في اللحظة ذاتها، فقد ذاب
المجال فيما يحتويه من الوعي.
أما الملمح الثاني لهذا الزمن هو ثروته غير المحدودة، حيث
تظهر إنجازات الناس بشكل لا مثيل له، ومن ثم يصبح الميت
رمزا لكل المثل والفضائل.
إن الأسف والشعور بالخسارة يحدوان الشاعر إلى استعراض مآثر
الميت ليجعل منه ذاكرة حية كفاحا للزمن وحتى لا يتهدم على
عالم بأسره.
ويرد زمن الرثاء على شكل رسم بياني كالتالي:
لحظة الموت
الحاضر= تأمل \خوف من الزمن
الماضي= مآثر الميت \ذكريات عنه \ استنكار واستغراب
المستقبل= تأمل في الحياة الباقية \ طلب الرحمة \ التسليم
بالقضاء والقدر.
3-
فراق الأحبة:
يأتي الفراق بدوره عاملا من دواعي استدعاء الزمن، ففراق
مراتع الصبا والأتراب والأحبة من شأنه أن يذكي الحنين لدى
الشاعر فينبعث الزمن مواكبا الحدث، معبرا عن الفقيد،
وكثيرا ما تعثر الشاعر بلحظة
الفراق فيتبين الظاعنين على سنة القدماء، ويذكر
أيام الود والصفا.
(الكامل)
ألــــوى بــصَـبـركَ والــدمــوعَ أراقَــهــا
شَــوقـاً فــراقُـكَ مـــن تـخـافُ فِـراقَـها
قـــد شـــاقَ نـفـسَكَ بـيـنُها ولَـطـالَما
قــد كُـنـتَ تـحذَرُ ذا الـذي قـد شـاقَها
إلا أن الفراق قد يكون وشيكا
(خفيف)
حــــيِّ مـيـمـونَ قــبـلَ وشـــكِ الــفِـراقِ
خـبِّـرَنـهـا مــــن الــهَــوى مــــا أُلاقــــي
...لــــوحِــــذارُ الــــفِـــراقِ أودى بِــــصَـــبٍّ
مُــــتُّ قــبــلَ الــفِـراقِ خـــوفَ الــفِـراقِ
كما يأتي الفراق أحيانا قائما في اللحظة ذاتها:
أولـــى لـــهُ أن يـريـهِ الـهَـمُّ والـشـجَنُ
إذ لَـمـلَمَ الـظُـعنَ يــومَ الـرحـلَةِ الـظَعنُ
أشـكـو إلــيَ الـلَـهِ مــا لاقـيتُ بـعدَهمُ
غُــدَيَّـةَ الــمـوجِ لـمّـا اعــرَورفَ الـظُـعُنُ
مــــا زلــــتُ أبـغـيـهمُ حــتّـى أجـنَّـهُـمُ
غـــــورُ الـمـبَـيـدعِ فَــالـحِـزّانُ فـالـقُـتَـنُ
وزمن الفراق كما نرى هو زمن حاضر يصور الشاعر فيه المشهد
الماثل أمامه بحسرة وترقب:
1-
ألوى بصبر – أراقها – تخاف – شاق – قد كنت تحذر – قد شاقها
2-
حي – خبرنها -ألاقي – أودى – مت
3-
أولى – يريه – لملم – أشكو – لاقيت – لما اعرورف – ما زلت
أتبعهم حتى أحنهم
وكثيرا ما تلتبس لحظة الفراق بلحظة الطلل إلا أنها قد تأتي
منفصلة عنها، فيأتي وقوف الشاعر على الطلل بعد مرور وقت
عليه ومن ثم يبدأ يذكر ساكنيه، بينما لحظة الفراق تأتي في
النماذج السابقة رصدا لوقت الفراق، يصور اللحظة ذاتها.
مستويات الزمن:
عند ما نتحدث عن زمن الشعر لا بد أن نتفق على زمنين: زمن
صوري هو الزمن الذي تنبثق فيه القصيدة، وهو زمن مملوء
باعتمالات معينة، أوأفعال ترسم انعكاساتها على زمن الشاعر،
وهذا الزمن بالضبط هو زمن ميلاد القصيدة ويمكن أن نعتبره
جزءا من الزمن العام.
ولكن الزمن الآخر هو المهم بالنسبة للقصيدة؛ لأنه زمنها
الأنطولوجي الذي يستمر معها عبر أجوائها وحركتها، وهو
عموما يرفقها في الكينونة، والتصير والانقطاع.
إنه الزمن ذاته الذي نبحث عنه في
هذه النصوص.
تحيل قراءة المدونة إلى وجود مستويات زمنية لها دلالاتها
الأسلوبية، وإيحاءاتها النفسية والاجتماعية والوجودية، وقد
نجد هذه المستويات تتمايز وتتناغم في النص الواحد، ولنأخد
مثالا القصيدة التالية:
(الخفيف)
1 صــاحِ قِــف واسـتَـلِح عـلـى صـحنِ جـالِ
سـبـخَةِ الـنـيشِ هــل تــرى مــن جـمالِ؟
2 آل يـــعــقــوبَ شــــمّـــروا لــلــمـعـالـي
واســتــعـدّوا لـــمــا تـــجــيءُ الـلـيـالـي
3 هـــــاجَ قــــرحَ الــغــرامِ بــعــدَ انــدمــالِ
ظَـــعــنُ ظُــعــنِ الـخـلـيـطِ يــــومَ إنــــالِ
4 قَـــــد أرانــــي
والــبـيـضُ غــيــرُ قــــوالٍ
لــخِــلالــي ومــــــا مَــلِــلــنَ وصـــالـــي
لقد تضمنت القصيدة فقرات كبرى عبر كل منها عن معين،
والظاهر أن الشاعر على دراية باختلاف الأزمنة فيها، ولذلك
صدر كل مقطع بيت مصرع ليوحي لنا بأن هذا التكثيف الإيقاعي
يحمل معه تجديدا في زمن القصيدة. فالمقطع الأول يتشكل في
فضاء الطلل وإن تماهى مع زمن الفراق، أما المقطع الثاني
فيتشكل في إطار علاقة الشاعر بالمجتمع ويأخذ منحي إرشاديا،
لذلك تأتي الجمل في أغلبها طلبية، وفي المقطع الثالث يظهر
جليا زمن الفراق والحديث عن الظعن، وأخيرا يأتي المقطع
الرابع مكرسا للمشيب والشباب وما يستتبع ذلك من التركيز
على أيام فتوة الشاعر.
وقراءتنا المدونة خولتنا أن نصنف الزمن إلى ثلاث أصناف
رئيسية:
1
- زمن نفسي
2
- زمن وجودي
3
- زمن تاريخي
ونؤكد أن هذا الفصل بين مستويات الزمن في النصوص هو فصل
منهجي إجرائي تمليه طبيعة الدرس المائلة إلى التصنيف؛ إذ
كثيرا ما تلتبس الأزمنة في المقطع الواحد من القصيدة.
1-
الزمن النفسي:
إن وعي الإنسان بالزمن، يرتبط بعدة عوامل تكون عادة غير
مرتبطة بالفكرة المجردة للزمن نفسه ويطلق على هذا التصور:
إعارة "الانتباه " أو "الإصغاء "
فوعينا وإدراكنا للزمن يعتمد على مسألة "التزمن " أو "
الآنية " وهذا بالتالي لا يعتمد على حالتنا الذهنية
والطبيعية فحسب، بل يضاف إليها كل من ذاكرتنا وتوقعاتنا.
يقول القشيري: (الوقت ما أنت فيه؛ إن كنت في الدنيا فوقتك
الدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور
فوقتك السرور، وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن: إن الوقت ما
كان هو الغالب على الإنسان)
قد يكون هذا الاستشهاد المدخل إلى ما نحن بصدده.
لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن الزمن في الشعر هو زمن نفسي
بالدرجة الأولى؛ حيث إنه يشكل مرحلة من تعميق الوعي مسؤولة
عن تشكيل شخصية صاحبه.
فالخطوة الأولى نحو تحقيق مطامح الشاعر هي الانتقال من زمن
الساعة إلى الزمن النفسي كما يقول "بيرغسون ": (بقدر ما
يستطيع الشاعر نقل الوظيفة النفسية من الماضي إلى الحاضر
تتحدد درجة نجاحه في العيش ضمن الزمن النفسي).
وكثرا ما يظهر الزمن النفسي في لحظات القلق والتفرد
بالليل، ولهذا القلق صلته الوطيدة بالنفس البشرية، كما أن
له مرجعيته في التراث العربي، فالشاعر على هدي من سابقيه
في هذا السنن، يضيق بالليل ذرعا، فالليل وقت الهدوء، وقت
السكون، وقت تحرك الغرائز، وهو بظلامه ووحشته يستثير لدى
الشاعر العديد من الأفكار ويبعث كوامنه وذكرياته، في وقت
يغيب فيه الرقيب الاجتماعي.
وقد تضمن الشعر العربي في مختلف مراحله حديثا واسعا عن
الليل، سواء أكان ليل مسرة أوليل شجى.
وقد ذكرنا سابقا أن الشاعر تحدث عن الليل في مجموعة من
قصائده، وتبرز هذه القصائد أن الشاعر لم يكن بمنأى عن
التوتر والقلق النفسي، لذلك قدم الليل صورة مشربة بالأسى
والألم، يقول في إحدى قصائده:
(طويل)
تـــطـــاوَلَ لـــيـــلُ الـــنـــازحِ
الـمُـتَـهَـيِّـجِ
أمـــــا لــضــيـاءِ الــصـبـحِ مــــن مُـتَـبَـلَّـجِ؟
ولا لـــظَــلامِ الــلــيـلِ مـــــن مُــتَــزحـزَحٍ
ولــيـسَ لـنـجـمٍ مـــن ذهــابٍ ولا مـجـى
فَـــيــا مـــــن لــلَــيـلٍ لا يــــزولُ كــأنّـمـا
تُـــشَــدُّ هــواديــهِ إلــــيَ هـضـبَـتـي إج
كــــأنَّ بــــه الــجــوزاءَ والــنـجـمَ رَبــــرَبٌ
فــراقِــدهــا فــــــي عُــنّــةٍ لــم تُـــفَـــرّجِ
تبرز هذه اللوحة القائمة لليل تضافر العوامل الطبيعية
والاجتماعية والنفسية ضد الشاعر مما يزيد ألمه ألما،
فالليل راس ثابت، والشاعر بعيد عن أحبته وذويه، مغترب عن
جيرته والطيف يتراءى له ليزيد الهم هما. وهنا يضع الشاعر
تبعة قلقه على الليل ويرى فيه سرمدا باقيا لا فكاك له منه.
إن زمن الليل في هذه القصيدة هو زمن نفسي، ذلك أن الإحساس
بواقعية الزمن تتلاشى أمام الهم النفسي فتصبح الساعة أمدا،
والشاعر إذ يدرك السبب في طول ليله يستدعي من الماضي
الليالي القصار التي لم يكن يحس فيها هما ولا فقدا:
(خفيف)
بُــعـدَ مـــا بــيـنَ مـــن بِـــذاتِ الــرمـاحِ
وَمُــقــيـمٍ مـــــن الــلــوى بـالـنَـواحـي
طـــالَ لَـيـلـي بـسـاحَةِ الـكَـربِ حـتّـى
كِـــدتُ أقــضـي الـحـيـاةَ قـبـلَ الـصَـباحِ
إن أبِـــــت ســـاهِــراً أُغـــالِــبُ هَــمّــاً
قـــاتِــلاً مـــــا لــبَــرحـهِ مـــــن بــــراحِ
لَــبِــمـا بِــــتُّ خــالِــيَ الــبــالِ خــــالٍ
بـــــأنــــاةٍ مـــــــــنَ الـــــمــــلاحِ رَداحِ
إن الزمن الواقعي بمفهومه الميقاتي يختفي كليا في هذه
الحالة، ذلك أن حالة الشاعر النفسية هي التي تحدد طول
الليل و قصره، ويأتي التقابل بين ليالي الشاعر موضحا تحكم
الحالة النفسية في مترية الزمن ومبينا ما ذهبنا إليه،
فطول ليلة الكرب المريع تقابله صورة مغايرة جاءت في زمن
غير معلوم ولكن سماتها مفهومة من السياق، فهي ليلة وجيزة
مرت دون أن يحس الشاعر حيث عاش فيها لحظات لا تنسى.
وتظهر الفكرة بجلاء في قصيدته التالية:
(خفيف)
إن تُـــطِــل مَــــرَّةً عُــوَيـشـةُ لــيـلـى
مـــــن أبـاطـيـلِـها بــمِـثـلِ الــســرابِ
فــلَـكَـم بــــتُّ مـــن عُـوَيـشَـةَ ألــهـو
بِــــعــــروبٍ كـــدُمـــيَــةِ الـــمــحــرابِ
...لَــــم يُــقَـصِّـر بـمِـثـلـها زُلَـــفَ الـلـيـلِ
عـــلَـــيــهِ الــمُــتَــيَّــمُ الــمُــتَـصـابـي
إن الزمن النفسي المرتبط بالليل لدى الشاعر، الزمن الذي
يتكشف فيه طول الليل، وحديث الشاعر عن ثبات النجوم، وتوقف
الدورة الفلكية العادية، يظهر مرتبطا أكثر الأحيان بموقف
عاطفي حسب منطوق النص، ففي البائية كانت عويشة السبب، وفي
الجيمية كان طيف الحبيبة، وفي الحائية كان هما مبرحا لا
براح له، ولكن نقيضه في الصورة خلوه بأناة من الملاح رداح،
أما في الميمية فإن خيال مريم كان وراء طول الليل وفي
الميمية الثانية (النص 71) كانت أم المؤمنين السبب في طول
الليل.
إن زمن الليل يتسم بالقلق والسأم والضيق بالوقت، إنه زمن
مربك، صراع مع الزمن، محاولة التخلص منه والخروج من فضائه
القسري، ويحاول الشاعر التخفيف منه بالعودة إلى الماضي
وذكر الليالي القصار التي تهيأت له فيها أسباب اللهو
والمتعة.
2
الزمن الوجودي:
يرتبط الزمن الوجودي لدى الشاعر، بلحظة الطلل وتولي الشباب
والرثاء، ويختلف الإحساس بالزمن في هذا الموقف الذي يحس
الشاعر فيه نذير الفناء والموت عن الزمن النفسي الذي يعبر
فيه عن ضيقه بالزمن الميقاتي، ويستنجد بالصباح لعل جديدا
يتغير.
إن الزمن الوجودي، ليس محاولة للتهرب من الزمن الميقاتي بل
هو محاولة إمساك به وتأس عليه، إنه خوف من اللحظة الراهنة
والتالية وليس استعجالا للصباح، هو زمن غير منفصل عن الزمن
النفسي وإنما محمل بأبعاده.
إن الزمن في الأدب هو زمن وجودي بالدرجة الأولى؛ ذلك أنه
وطيد الصلة بالذات البشرية.
في هذا الزمن ليس الوقوف على الطلل حكرا على المكان وتأسيا
بما آل إليه وإنما يتجاوزه إلى الذات الشاعرة، حيث تصبح
هذه الذات جزءا من الماضي المندثر الذي لم يعد ممكنا
تداركه ولا التعويض عنه:
نموذج 1:
(خفيف)
حي من جانب المبيدع دورا |
جنبة الريع قد دثرن دثورا |
قد أضر البلا بها غير لوح |
من رسوم تخلهن زبورا |
وبقايا من أرمدات تقيها |
خالدات الصفا الصبا والدبورا |
حب ذا هن من معاهد لولا |
أن للدهر عثرة وحبورا |
...در در الشباب من خدن صدق |
غير أنى ظننت أن لن يحورا |
إن في القلب من صباه علالا |
ت أتى المشيب دونها والنذورا |
ليت عصر الشباب عاد لنقضي |
من لباناتنا ونشفي الصدورا
|
إن معاينة الشاعر للمكان جعلته يتبين كيف غيرته الأيام
وعصفت به الحدثان، وهنا يأتي ذكر الدهر وتصريفه للأشياء.
إن هذه اللحظة وعي للزمن معناه الوجودي، يدرك الشاعر من
خلالها أنه هو نفسه لم يكن خارج اللعبة، فقد أخذ الزمن منه
أغلى مراحل العمر، فلا يبقى أمامه إلا أن ينساق وراء
التمني " ليت " والتمني طلب المستحيل. إن الشاعر والطلل
خضعا لنفس المصير فأصبح جزءا من الحياة المنقضية.
نموذج 2:
(كامل)
لمن الديار عفون "بالنمجاط" |
فـــ"الملزمين " كمنهج الأنماط |
دمن قضيت من الصبا في عهدها |
ما كان من يوم الغدير قطاط |
فاليوم إذ وسم المشيب شبيبتي |
من وسمه المشنوء شر علاط |
فسرى يخيط لمتي لما سرى |
برد الصبا عن بغير خياط |
ورمى بأسهمه الصوائب شرتي |
ومن السهام صوئب وخواطي |
أصبحت ودعت الصبا لا عن قلى |
والدهر بالعلق المفجع ساط |
ودعته يا حر إلا أنه |
يرتاح للأظعان نضو نشاط |
مبلغ التأسي كما نلحظ في هذه اللحظة الواعية بالتحول
والتغير، فلم يكن الطلل إلى جسر عبور إلى حقيقة وجودية
أعمق وأشمل، يؤكد للشاعر سيره الحثيث إلى النهاية. وقد مهد
له بفاء الاستئناف ولفظة اليوم الدالة على المرحلة
الراهنة، التي بدأت الأفعال فيها تترجم التغير الحاصل،
وأصبح هو مفعولا به خاضعا لفاعل صائب السهام:
وسم المشيب شبيبتي /فسرى يخيط لمتي / رمى بأسهمه الصوائب
شرتي.
بعد هذا الخضوع لعامل خارجي يأتي الشاعر "فاعلا " ولكنه
فاعل باهت يرمي على الدهر تعبة هذا الفراق الموجع – وهنا
يسجل لفتة إنسانية رائعة حيث يقول: إنه لا زال يحب
الظعن...وكأنها محاولة التمسك بالماضي، ثم مغالطة واعية
للمشيب بأنه لا يزال يمتلك قلبا فتيا.
وقد أتقن الشاعر وصف شيخوخته وتفنن فيه، إن حاول دوما أن
يذكر بالصورة السابقة، ذلك أن أكثر ما يفزع الشاعر في هذا
التحول صدود الغواني عنه، ولذلك تأتي الصورة المقابلة دوما
هي صورة لمتعته، وانشغاله باللهو ويوضح الصورة حين يصرح
تصريحا بصدودهن، ويتذكر أيام الشباب بزهو وتحسر:
(خفيف)
قَـــــد أرانــــي والــبـيـضُ غــيــرُ قــــوالٍ
لــخِــلالــي ومــــــا مَــلِــلــنَ وصـــالـــي
فـــأراهُــنَّ بـــعــد مـــــا كـــــن عَــنّــي
صُـــــدَّداً أن رأيـــــنَ شـــيــبَ قـــذالــي
إن تــريــنـي أُمَـــيــمَ اصــبَـحـتُ نِــضــواً
شــاحِــبــاً فــــــي بَــــــذاذَةٍ واخـــتِــلالِ
فَـــلَــقَــد كـــنـــتُ لـــلأوانـــسِ فَـــرعـــاً
عَـــن يـمـيـني يــرِعـنَ لـــي وشِـمـالـي
وتمتد القصيدة لتسرد كل ماضي الشاعر الذي يبث فتوته
وشجاعته وتحمله المصاعب وركوبه المخاطر.
ويتكشف الزمن لدى الشاعر ويصل بذلك إلى موقف تأملي وجودي
يعلن فيه تجربته مع الزمن مركزا على الوحدات الدلالية
الدالة على التحول والتغير:
(خفيف)
...ذاك دهـــــرٌ مــضــيَ ومَــــرُّ الـلـيـالـي
مــــــن تــعــاطــاهُ يُــبــلــهِ الــمــلـوانِ
...إذ لــــداتـــي صــــعــرُ الـــخـــدودِ وإذ
أعـــيُــنُ عـــيــنِ الــمــهـا إلَــــيَّ روانِ
بـــيَــدي رايَـــــةُ الــصِـبـا والــهــوى إن
أنـــــا لـــــم أدعــــهُ إلــيـهـا دعــانــي
وأذا كان توجس النهاية يطغى على المضمونين السابقين، فإن
لحظة الموت تبعث لدى الشاعر إحساسا حتميا بالفناء حيث يراه
مجسدا ماثلا أمامه، فيتأكد أنه وقع في مصيدة الزمن وهو في
هذه الحالة لا يستطيع التخلص منه، ولا يتجاوزه، ولا
استبقاءه وبين الماضي الحي والحاضر الميت تنشأ لديه حالة
وجودية يحاول التصدي لها بأساليب شتى فيتعلل بالحكمة
والتسليم بالقدر، كما يستعظم الخبر، ويجزع للمصاب، ونخلد
ذكر الميت، ويدعو له بالرحمة:
نموذج
3
(رمل)
كُــــلُّ عــيــشٍ مـــا تــراخـى لأجَـــل
ومــــآلُ الــمــرءِ مـــوتٌ حــيـثُ حَـــل
...أمِــــــنَ الـــدهـــرِ تــشــكّــى أنَّـــــهُ
لـــيــسَ بـالـمُـعـتبِ أن هــــوَ فــعَــل
...يـــا عــمـادَ الــقـومِ فـــي الـيـومِ ويــا
حـلـيَـةَ الــنـادي إذا الــنـادي احـتَـفَل
...هــاجَــنـي ذكـــــرُ مــبــيـتٍ طــالَــمـا
ضــمَّــنــا فـــيـــهِ ســــــرورٌ ومـــظَــل
أيُّ يـــــــــومٍ أيُّ يــــــــومٍ يــــومــــهُ
يـــومَ ضـاقَـت بــي رحـيـباتُ الـسُـبُل
فــسَــقـى الـــلَــهُ ضــريــحـاً ضــمَّــهُ
صـــــوبَ مُــــزنٍ كــلَّـمـا هــــدَّ وبَــــل
وتَــــلَــــقّــــاهُ بــــــبِــــــرٍّ
رَبُّــــــــــــهُ
وقــــبـــولٍ وحـــبـــاهُ مــــــا ســــــأل
وسَـــقــاه مـــــن رحـــيــقٍ يَــشــرَبُ الـ
ـــبَــرُّ مـــنــهُ عـــلَــلا بـــعــدَ نَــهَــل
إن تخوف الموت هو مثار القلق من الزمن نفسه والخوف من
الخضوع لقيوده، وهذا الوعي هو أحد مكونات القلق من الموت
ذاته. فالزمن الوجودي يمثل أعلى درجة من الوعي بالزمن حيث
يتوارى فيه الزمن الموضوعي بالزمن الذاتي، وينشأ عنهما زمن
متوتر الملامح، تعي فيه الذات المدركة صراعها مع الزمن
وخضوعها القسري له.
ثالثا الزمن التاريخي:
ليس هناك خط حقيقي يفصل التطور بين زمن وآخر، وإنما يحدث
التطور من الزمن النفسي أو الوجودي تدريجيا إلى الزمن
التاريخي، بحيث يتعامل كل نمط زمني مع الأنماط الأخرى في
معنى موحد كبير، وهكذا تعبر صفات الزمن التاريخي إلى
النفسي أوالوجودي، بينما تسيطر الصفات الكبرى لتلك الأنماط
الأكثر تقدما.
إن الزمن التاريخي لدى ابن الطلبه هو زمن آخر، نحدد تقدما
في وجوده لإثبات الذات وتأصيلها فيصبح الوعي المعمق بالزمن
النفس أكثر انتشارا وشمولية، وبهذا المعنى فإن الزمن
التاريخي هو مستوى من الزمن يحدد مرحلة ضرورية في ترسيخ
الذات.
ولا شك أن التفكير في الوقت ومحاولة تشكيل نظريات عن
الماضي، وتأثير هذا الماضي على مدركات الشاعر تأتي علامة
للزمن التاريخي، وقد استحوذت عليه بعض قصائده.
يأتي سياق الزمن التاريخي في المدونة عند ما يحدث تتابع
خطي للأحداث خاضع لنوع من التوثيق في أسلوب سردي وصفي
ويتضمن الزمن التاريخي ثلاث محاور:
1-
محور ديني روحي
2-
محور اجتماعي بطولي
3-
محور ذاتي
1-
المحور الديني
الروحي:
يظهر المحور الروحي في قصائد المديح
النبوي حين يعيد الشاعر صياغة مواقف من سيرة الرسول صلى
الله عليه وسلم، وله قصيدتان في هذا المضمون سنقتصر على
نموذج من إحداهما:
(خفيف)
...بم أثني عليه لولا ثناء الــــــ |
ـــله إن الثناء منه اصطفاء |
بل هو الباعث المجد عليه |
ولكم فيه أحسن البلغاء |
مثل حسان والفتى ابن زهير |
وزهير غداة بالسبي فاءوا. .. |
يوم جاءوا تحثهم جبروت |
بحنين لحينهم وانتخاء |
فلقوا ما لقوا وظل زهير |
بعدما أحرز النساء السباء |
وأبيد الرجال في أي يوم |
غابط ميتهم به الأحياء |
وهو يدعو بملح شيماء حتى |
شفعت في هوازن الشيماء |
منة منه من مطاع أمين |
هكذا فاليراع فيه الإخاء |
وتأتى لابن الزبعرى ابن قيس ابــــ |
ـــن عدي بمدحه إحياء |
ولفهر غداة يدعو ضرار: |
يانبي الهدى بذاك احتماء |
ولعمرو بن سالم كان منه |
ظفر بالعدا به واعتلاء |
يوم وافاه ينشد الحلف أن قد |
أفنيت من خزاعة الأفناء |
يوم صالت عليهم من قريش |
والعرى من كنانة الأملاء |
|
|
|
لقد عرض الشاعر مشاهد عديدة من السيرة الكريمة، فذكر
الشعراء الذين مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وتطرق إلى
غزوة حنين مفصلا في بعض حيثياتها، ليصل فتح مكة وأسبابه.
ويعتمد الشاعر السرد آلية لوصف الأحداث التي وردت في قالب
قصصي، فيذكر الأعلام أشخاصا وأماكن، ويؤطر الزمان أفعالا
وظروفا.
الأعلام:
- حسان – ابن زهير – شيماء - هوازن – ابن الزبعرى – ابن
قيس – ابن عدي – فهر – ضرار – عمرو بن سالم – خزاعة –
قريش- كنانة – حنين.
الزمان: الأفعال
أحسن – جاءوا – فلقوا – ظل – أحرز – أبيد- ضاقت – ندعو –
فلاذوا – فحماهم – وافاه – تراق – أفنيت – صالت.
الظروف: غداة – يوم - غداة – يوم – يوم.
إن الزمن في القصيدة هو زمن تاريخي، اعتمد فيه الشاعر
الفعل الماضي تمشيا مع بنية السرد القصصية، ورتب الأحداث
مستظهرا أسماء الأشخاص والأماكن ليضع القارئ في صلب الحدث،
ولعل الشاعر يجد في هذا الزمن وفاء لقيمه الدينية والروحية
وتأصيلا لذاته في التراث.
2-
المحور الاجتماعي:
ويظهر هذا المحور في القصائد ذات النفس الفخري وفيها يركز
الشاعر على قومه وأمجاده ومغامراته:
نموذج
1
[طويل ]
وفِـتـيـانِ صـــدقٍ قـــد دَعَـــوتُ فـبـادروا
لـمَـحـمَـدَةٍ تــغـلـو عــلــى كُــــلَّ بــيِّـعِ
مـن آلِ أبـي مـوسى بن يعلى بن عامرٍ
إذا شــهِـدوا زانــوكَ فــي كــلِّ مـجـمَعِ
هُــــمُ مــاهُــمُ إن تــدعُـهُـم لـمَـضـوفَةٍ
يُــجِـبـكَ لــمــا تــهـواهُ كُـــلُّ سـمَـيـدَعِ
عَـلى حـافظٍ مـن عـهدِ شَـربَتَّ حـافظوا
عَــلـى مـلـكـهِ مــثـلِ الـمـجَـرَّةِ مـهـيَـعِ
لآبـــــاءِ صـــــدقٍ ورَّثــتُـهـم جُــدودُهُــم
مَـسـاعِـيَ مـــا مَـــن رامَــهـا بـالـمُطَوَّعِ
وأبــقـى مـــراسُ الـحَـربِ مـنـهُم بـقِـيَةًّ
بــحَــمـدِ الإلـــــهِ لا تــلــيـنُ لِــمُـفـظِـعِ
سَــمـا نَــجـلُ عبد الــلَـهِ ســـامٌ بـمَـجـدِهِم
إلــــى بــــاذِخٍ مــــا إن يُـــرامُ بـمَـطـلَعِ
إلــى جـعـفَر حــبِّ الـنـبي وابــنِ عـمِّهِ
هُــوَ الـفَحلُ مـن يـكلَف مـساعيهِ يـظلَعِ
حُــلـومُـهُـم أحـــــلامُ عـــــادٍ وديــنُـهُـم
بــنــوهُ عــلـى الأُسِّ الـقَـويـمِ الـمُـمَـنَّعِ
بــنــوهُ عــلــى نــهـجِ الـنـبِـيِّ مـحَـمَّـد
فَــيـالـــكَ مـــن نَــهـجٍ هُـــدىً مُـتَـتَـبَّعِ
هُـــــمُ شَـــيَّــدوا أركـــانَــهُ بـرمـاحِـهِـم
فَـمـا مــالَ حَـتّـى صُـرَّعـوا كُــلَّ مـصـرَعِ
هُـــمُ مَـلَـكوا مــا بـيـنَ شَــرقٍ ومَـغـرِبٍ
وســــادوا هـــمُ بــالــحِـلـمِ لا بــالــتـتـرُّعِ
لَـنـا هـضـبَةٌ أعـيَـت عـلـى مـن يـكيدُها
إذا غـــمَــزوا أركــانَــهـا لـــــم تــلَـعـلَـعِ
وإنّـــــا إذا مــــا الـنـائـبـاتُ تـضَـعـضَـعَت
لــهــا حُـلـمـاءُ الــنـاسِ لـــم نَـتَـضَـعضَعِ
تَـــرى مـــن ســوانـا يَـدَّعـيـنا ولا نُــرى
لِـغَـير أبــي مـوسـى لـعَمرُكَ نـدَّعي
يستعرض الشاعر تاريخا حافلا بأمجاد قومه وبطولاتهم، ويرجع
نهجهم المحمود إلى أيام شرببه، ويعدد خصالهم من شجاعة وكرم
وفتوة وعراقة في النسب، حيث يصل نسبهم إلى جعفر بن أبي
طالب، وبهذا يمتد النص عابرا التاريخ، ومؤثلا هذه المكارم.
وإذا كان الشاعر يسجل محامد القبيلة في هذا النص، فإننا
نجده في نص آخر يتحامل على طوائف من مجموعات الزوايا وحسان
دون أن يستثني من ذلك قومه، ويضع نفسه مقام الموجه الناصح،
مستنكرا العادات التي يأباها الدين:
[طويل ]
...مُـصـيـبَةُ ديـــنِ الــلَـهِ أمـسـى عـمـادُهُ
كـمَـنـفوسِ حُـبـلـى غَـرَّقـتـهُ الـقَـوابِـلُ
تــظــاهـرَ أقــــوامٌ عــلـيـهِ فـطَـمَّـسـوا
هُــــداهُ فــهُــم عــــادٍ عـلَـيـهِ وخـــاذِلُ
يُـــصَـــلّــونَ لا يــأتــونَــهــا بـــطــهــارَةٍ
وعـــنـــدَ الأذانِ نـــوؤُهُــم مــتـكـاسِـلُ
يـقـولونَ مَـرضـى هــل سـمِـعتَ بـأمَّـةٍ
بــهــا مــــرَضٌ قــــد عــمَّـهـا لا يُــزايِـل
وأمّـــا تـكـالـيفُ الــرجـالِ الــتّـي أَتـــت
مـــــنَ الـــلَــهِ آيـــــاتٌ بــهِــنَّ نــــوازِلُ
فَــقَــد أغـفـلـوهـا مـسـتـحِلّينَ تـركَـهـا
وقـــد أهـمَـلوها فـهـيَ مـنـهُم بـواهِـلُ
...ولـمّـا بــدا لــي غـيـرَ شــكٍّ مـنَ الـذي
قـــد انـذَرَنـا الـهـادي الأمـيـنُ الـمـخايِلُ
نـصَـحـتُ لـقَـومـي فــازدرَونـي وإنَّــنـي
وإن فــنّـدوا نُـصـحـي لـقَـومـيَ نــاخِـلُ
...فـقُـلـتُ لــهُـم لا تـأمـنـوا مــكـرَ ربَّــكُـم
فــلَــيـسَ عــلَــيـهِ بــالأمــانـي كــافِــلُ
إن هذه القصيدة تبرز الوجه الثاني لعلاقة الشاعر بالمجتمع
فهو الحريص على مصلحته ينبهه لما يحدق به من أخطار، ويبين
له أحكام عبادته.
ويقوم الشاعر في هذا الموقف مقام المرشد الديني، العارف
بحكم الله، القائم على تطبيقه، وهو بهذا يقدم الوجه الآخر
لذاته ولرسالته الفنية، حيث يظهر شاعرا ملتزما بقضايا
الدين والدنيا معا.
ولا يقتصر الزمن التاريخي على تراث الشاعر الروحي ولا على
علاقته بالمجتمع، وإما يتخلل النفس التاريخي حياته الخاصة.
(خفيف)
...كُــلَّـمـا رُمــــتُ عــــن هــواهــا سُــلــوا
عـــادَنــي ذِكـــرُهــا بـــشَــوقٍ عــلــوقِ
لَــسـتُ مــا بــلَّ مـقـولي يـومـاً أنـسـى
قــولَـهـا لــــي عـشـيَّـة الـجـفـرِ ريــقـي
قــــالَـــتِ: إنَّ الــنــســاءَ خــبَّــرنـنـي أن
لـــســـتَ فــيــمــا تــقــولـهُ بـحـقـيـقـي
قُــلـتُ: بِـالـلَـهِ فـاحـلِـفي لـــي، أو احـلِـف:
إنَّــــنـــي بـــالــغَــدورِ غــــيـــرُ وثــــــوقِ
ثُـــــــمَّ قــــالَـــت لِــصــاحــبـي: أتــــــراهُ
صـــادِقـــاً أم تــــــراهُ غـــيـــرَ صـــــدوقِ؟
قـــلــتُ: إنّـــــي لــصــادِقٌ غــيــرَ أنّــــي
لـــســـتُ مِـــمَّـــن يـــغُــرُّ دَرُّ الــعَــلـوقِ
إن المقطوعة بحوارها الدافئ، بأحداثها و شخوصها تذكرنا
بشعر عمر بن أبي ربيعة، ونلاحظ أن هذا الحدث العارض البسيط
سجله الشاعر تاريخا حافلا بالحيوية والدفئ، ووثقة زمانا
ومكانا لأهميته البالغة لديه.
والملاحظ أن الشاعر قدير على استحضار الحوادث المفردة التي
انقضت ومضت عليها مدة طويلة بالمعنى الموضوعي، بكل عمق
الخبرة الأصلية ومذاقها وعمقها وتنوعها؛ هكذا بقيت هذه
الأحداث في طبقة عميقة من الذاكرة مكتسبة بذلك حالا
زمانية تجعلها بمثابة الآن الدائمة.
معجم الزمن ودلالاته في المدونة:
يشغل القاموس الدال على الزمن حيزا معلوما في المدونة، وقد
برزت وحدات دلالية مختلفة؛ منها ما يدل على الزمن المبهم
ومنها ما يدل على الزمن المحدد:
ويوضح الجدول التالي نسبة شيوع كل مفردة:
الوحدة الدلالية |
التكرار |
نسبة شيوع المفردة%
|
اليوم |
48 |
43 |
الليل |
39 |
26.36 |
الدهر |
11 |
7.43 |
الغداة |
11 |
7.43 |
الصباح |
9 |
6.08 |
المساء |
5 |
3.37 |
الزمن |
4 |
2.70 |
الوحدة الدلالية |
التكرار |
نسبة شيوع المفردة
% |
الضحى |
3 |
2.02 |
العشية |
3 |
2.02 |
الأمس |
2 |
1.35 |
الساعة |
1 |
0.67 |
مربع |
1 |
0.67 |
الوحدة الدلالية |
التكرار |
نسبة الشيوع |
النهار |
1 |
0.67 |
سحيرا |
1 |
0.67 |
الملوان |
1 |
0.67 |
تم حول |
1 |
0.67 |
السنون |
1 |
0.67 |
عشرون عاما |
1 |
0.67 |
عهد شربب |
1 |
0.67 |
الأعصار |
1 |
0.67 |
القرون |
1 |
0.67 |
مصيف |
1 |
0.67 |
مشتى |
1 |
0.67 |
المجموع 148 مفردة
الزمن المحدد: اليوم - الليل – الغداة – الأمس – المساء –
الصباح – العشية – النهار – الضحى – السحر – الملوان –
الحول – العام - عشرون عاما – السنون – العهد – القرون –
المصيف – المشتى – المربع.
الزمن المبهم – الدهر – الزمن – الزمان – الأعصار.
إن قراءة المدونة تبين أن هذه المفردات لم تلتزم بإبهامها
ولا تحديدها، كما أنها لم تقتصر على المعاني المعجمية التي
عرفت لها، ذلك أن السياقات والتراكيب أكسبتها معاني
ودلالات مختلفة، وقبل أن ننتقل إلى الدراسة التطبيقية لهذه
الألفاظ، نقول: إننا نشاطر "بيكرطون" الرأي حين يفترض في
القدرة اللغوية نوعا من الاستعداد المجازي، وهذا المجاز
يعتبر مظهرا أساسا من مظاهر التوليد الدلالي.
معاني مفردات الزمن:
اليوم:
المعنى المعجمي يشمل: الليل النهار، ويقدر ب: "24" ساعة،
ورد 48 مرة في النصوص.
المعاني السياقية: الجزء من النهار 1: ذاك أني دخلت يوما
عليها
للدلاله المطلقة على الزمان 2: وإن تسأل الأطلال يوما
شهادة
العهد 4: وتشهد أيام الصبا عند ربها
الحين 7: يوم بانوا
المعنى الأصلي 6: يوم الغدير
واقعة تاريخية 5: وأبيد الرجال في أي يوم
المساء 1: أروح عليها كل يوم
الرخاء 4: أذكر أيام الحميم
الآن 8: أوتجافيت عن زيارتها اليوم
الليل:
المعنى المعجمي الجزء المظلم من اليوم الممتد من غروب
الشمس إلى طلوع الفجر ورد 39 مرة.
المعاني السياقية: مطلق الزمن 3: ليالي ألهو بالدفاتر في
الضحى.
التحول والتغير 5: ما لشيء على الليالي بقاء.
فترة الصبا1: ليالي سلمى لم تدرع.
المعنى الأصلي 7: مضى من الليل ذهل.
الرخاء 6: بليال صفو.
الديمومة 17: فيا من لليل لا يزول.
الدهر:
المعنى المعجمي الأبد والزمان.
المعاني السياقية: الدلالة المطلقة على الزمن 4: لئن الدهر
عاد لي بليال
التغير والتحول 5: أن للدهر عثرة.
الرخاء 2: صرف الدهر سلم.
الغداة:
المعنى المعجمي: الجزء الأول من النهار.
المعاني السياقية: الحين: الوقت. 3: غداة بالسبي جاءوا.
المعنى الأصلي 8: لو أردت الغداة رد الجواب.
الأمس: المعنى المعجمي الأمس: اليوم السابق على اليوم
الحاضر.
المعاني السياقية: الماضي المطلق. 2: كم حظيظ بالأمس كان
مقلا.
الزمن:
المعنى المعجمي: الحين من الدهر.
المعاني السياقية: المصائب. 1: ما شيب الرأس من أحداث ذا
الزمن.
الزمن المطلق 3: أخرى الزمان تدان.
أما بقية المفردات فإنها وردت بدلالاتها المعجمية الأصلية
وتبين قراء الجدولية الإحصائية ما يلي:
1-
أن اليوم يمثل أعلى نسبة شيوع، ويأتي بعده (الليل)
الدهر /الغداة / الصباح مثلت نسبة شيوع متوسطة.
المساء / الضحى / العشية / الأمس مثلت حد القلة في نسبة
الشيوع.
بقية الوحدات مثلت حد الندرة في نسبة الشيوع.
2-
أن الشاعر كاد يستوفي متعلقات الزمان اللفظية، مما يؤكد
شدة وقع الزمن عليه، وإحساسه المفرط به.
3-
أن أكثر الوحدات شيوعا في المدونة خرجت عن معانيها
الحقيقية إلى معاني سياقية تميل غالبا إلى تجسيد الزمن
الشعري، بحمولاته النفسية والتاريخية والوجودية.
4-
أن العلاقة بين الدلالة المعجمية للكلمة والدلالة السياقية
لها اتخذت مسارين؛ فهي أحيانا تكون علاقة اشتمال؛ كأن يأتي
اليوم بمعنى اللحظة أوالساعة من النهار، كما تكون علاقة
تضاد؛ كأن يأتي الأمس للدلالة على الماضي السحيق.
5-
أن المفردات الدالة على الزمن المحدد، كثيرا ما تخرج إلى
زمن مفتوح، فتصبح مبهمة لا محددة، وهو مؤشر على ميوعة
مفهوم الزمن لدى الشاعر وانسيابيته عنده.
الخــــــــــــــاتمة
حاولنا في هذا البحث محايثة الزمن في المدونة وتكميمه، وهو
أمر ليس بالسهل، فأطرناه في فضاءات ظلت تستدعيه أكثر من
غيرها، ووزعناه إلى مستويات مختلفة يمثل كل منها إحساسا
ووقعا للزمن، وتتبعنا الدلالات المعجمية والسياقية لألفاظ
الزمان، كل هذا سعيا منا لضبط هاجس الزمن عند الشاعر.
إن الزمن بفضاءاته المختلفة، ومستوياته المتعددة ظل في
المدونة قائما على التقابل بين الماضي والحاضر، فهو ينبثق
من اللحظة الآنية التي يعي فيها الشاعر وجوده المباشر في
إطار الزمن الحقيقي وعندئذ يلجأ إلى استرجاع الماضي
أواستشراف المستقبل.
هكذا يظهر الحاضر دوما محزنا مربكا، أما الماضي فعكسه:
سارٌ مشرق. فلحظة الطلل يقابلها
في الماضي عهد من الرخاء والأنس، ولحظة المشيب يقابلها عهد
الفتوة والشباب.
والليل الثقيل تقابله ليال تقضت في أنس ومتعة، ولحظة الموت
تقابلها الحياة ممثلة في إنجازات الميت.
إن زمن المدونة قائم على التقابل في تجلياته المختلفة.
والظاهر أن الشاعر يسعى دوما إلى استحصال زمن جديد في
قصائده، هروبا من اللحظة الراهنة، وانفلاتا من الزمن
العادي.
هذا الزمن المبحوث عنه يختلف عن خصائص الزمن الفعلي، ويحطم
التقسيمات الزمنية المعروفة، ليخلق وحدة زمنية جديدة هي
مزيج من الماضي والحاضر والمستقبل معجونة في آنية الشاعر.
ويرتبط الزمن كما هو واضح من القصائد بمعايير العيش
ومستوياته، فتشتد الرغبة في الحياة والطمأنينة كلما أحس
الشاعر تهديدا، لذلك يلجأ الشاعر إلى البحث عن زمن يحقق
فيه ذاته، ويستعيد فيه توازنه الوجودي.
ويفضي البحث عن الدلالات النصية في السياق الشعري إلى ثلاث
علاقات للشاعر مع الزمن:
-
علاقة رضى وانسجام ولا تتحقق إلى في الماضي.
-
علاقة تنافر وتظل قائمة في حياة الشاعر.
-
علاقة تشبث بالأمل وتظهر عند ما تبرز إرادة الشاعر فينتهج
الرحلة.
إن الشاعر في إطار العلاقتين الأولى والثانية يظل رهين
الزمن واقعا تحت سيطرته، لذلك يتشكل الزمن لديه رؤى وأخيلة
معينة تغزو وعيه، أما العلاقة الثالثة فإن الإرادة تظهر
مشكلة بذلك زمنا جديدا خاضعا لذات الشاعر وسيطرته.
إن الإحساس بالزمن حاضر في المدونة حضورا قويا والشاعر
دائم الإشارة إليه تصريحا وتضمينا، واللغة تعبر عن هذا
الإحساس تعبيرا قويا بالأفعال تارة، وبالظروف والأسماء
تارة أخرى، وأحيانا تجرد الإحساس وتسمي الزمن بأسمائه
الصريحة، أوتجسده في صور ومواقف.
ولنا أن نطرح السؤال التالي: ماذا لو قلنا: إن المدونة
كلها زمن والشاعر لا فكاك له منه ولا وجود له خارجه، وأن
الشعر ذاته ليس إلا تناولا للحظات زمانية معينة؟
هذا هو واقع النص والسبيل إلى فهمه، أما التفصيل و التبويب
فهي آلية اتخذناها سبيلا لإضفاء صبغة الموضوعية على البحث،
إلا أن الموضوع قد يكون أكثر من ذلك، إنه جزء مما قلناه،
وأشياء سكتنا عنها نظرا لضيق الوقت ومحدودية العدد المطلوب
من الصفحات.
تلخيص
هذا بحث قام على استقراء لمدونة محمد بن الطلبه تلمسا فيها
لهاجس الزمن، فضاءاته المكانية والزمانية والاسترجاعية،
ومستوياته النفسية والوجودية والتاريخية ومعجمه الدلالي.
المصادر و المراجع:
ابن الطلبه [محمد] ديوان محمد بن الطلبه، تحقيق محمد عبد
الله بن الشبيه، مراجعة محمد سالم بن عدود، تقديم محمد
بباه بن محمد ناصر، الناشر: أحمد سالك بن محمد الأمين بن
ابوه – دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2000
ابن منظور[ محمد بن مكرم ] لسان العرب، دار صادر بيروت
اتحاد الكتاب العرب بدمشق، الموقف الأدبي، العددان [
205 - 206 ] أيار حزيران 1988، السنة 18
توفيق [أميل ] الزمن بين العلم و الفلسفة و الأدب، دار
الشروق القاهرة، 1983
الجابري [محمد عابد ] بنية العقل العربي، المركز الثقافي
العربي، الدار البيضاء 1991
جمعة [حسين] "فكرة الزمن في الدراسات العربية " مجلة
التراث العربي، العددان 86-87 آغسطس 2002، السنة 22
حداد [مريم قاسم ]، أنماط الزمن لدى ت، س.إليوت في
الرباعيات، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت،
ط1
الصديقي [عبد اللطيف ] الزمان: أبعاده و بنياته، المؤسسة
الجامعية للنشر و التوزيع، بيروت، 1995
الفيروزبادي[ مجد الدين ] ، القاموس المحيط، القاهر 1973
المجلة الثقافية العدد 22، محرم 1411هـ آب [أغسطس ] 1990،
المحجوب [فاطمة ] قضية الزمن في الشعر العربي: الشباب و
المشيب، دار المعارف، 1410هـ
المرزوقي، الأزمنة و الأمكنة، مجلس دائرة المعارف، حيدر
أباد، ط1، 1332هـ.
ميرهوف [هاز]، الزمن في الأدب ترجمة أسعد زروق مؤسسة سجل
العرب، القاهرة 1972.
|